للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الروم: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ * اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:٣٨ - ٤٠].

في هذه الآيات من سورة الروم يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالتبع بإيتاء ذوي القربى حقوقهم وكذلك المساكين وأبناء السبيل، قال: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم:٣٨]، فبدأ بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الأسوة والقدوة الحسنة صلوات الله وسلامه عليه، ثم قال: {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ} [الروم:٣٨]، فجمع، فدل على أن ما في أول الآية ليس المقصود النبي صلى الله عليه وسلم وحده، إنما المقصود المؤمنون من بعده.

قال: {ذَلِكَ خَيْرٌ} [الروم:٣٨] (خير) أفعل تفضيل بمعنى أخير، أي: أفضل للذين يبتغون وجه الله سبحانه وتعالى، والمؤمنون الذين يخلصون لله لا يريدون حطام الدنيا بأعمالهم التي يتقربون بها إلى الله عز وجل، وهؤلاء هم المفلحون الذين يؤتون الحقوق لأصحابها.

قال: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الروم:٣٨]، فهؤلاء لهم حقوق، والإنسان يجب عليه حق في بدنه، ويجب عليه حق في ماله، فحق البدن لله عز وجل ما يقوم به من عبادات لله سبحانه، يبذل لله في صلاته، في صومه، في حجه، فيتقرب إلى الله سبحانه بأعمال بدنية يبتغي بها وجه الله سبحانه وتعالى كالجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك من أعمال بدنية يبتغي بها وجه الله سبحانه.

كذلك الأعمال المالية يتقرب بها العبد إلى الله، بالزكاة المفروضة، بالصدقة، بالإنفاق الواجب على نفسه وعلى زوجه وعلى عياله وعلى رقيقه وعلى أبيه وعلى أمه، وعلى من يحتاج من أقاربه إذا لزمه أن ينفق عليهم، قال سبحانه معمماً ذلك: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى} [الروم:٣٨] أي: أعط كل ذي حق حقه، وهذه الآيات من سورة مكية، ولكن جاء التفصيل بعد ذلك في السور المدنية في أمر الزكاة وما ينبغي فيها، وجاء تفصيلها في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

فمما جاء في القرآن في بيان هذه الزكوات قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [التوبة:٦٠] فريضة افترضها الله سبحانه، والذي قسمها ووزعها الله سبحانه وتعالى، فهنا أجمل في هذه الآية المكية فقال: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى} [الروم:٣٨] يعني: كل من كان قريباً لك واحتاج أو وجبت عليك النفقة على هذا الإنسان أو كان معك زكاة ويلزمك أن تخرج هذه الزكاة فالقريب أولى بالمعروف من غيره، وقد جاء في أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين فيها أن إيتاء الزكاة لذوي القربى وإيتاء الصدقات لذوي القربى أنفع للإنسان في الدنيا وفي الآخرة، حيث يصل رحمه بذلك، ويحبه قريبه، والإسلام يدعونا للتعارف مع الغرباء قال الله: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:١٣]، فيتعارف المؤمن مع غيره فكيف بالقريب؟! فمن باب المودة والرحمة أن تعطي الزكاة لهذا القريب، وتعطيه النفقة، وتعطيه الصلة، فيحبك هذا الإنسان القريب، وإذا زادت المحبة وجد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن كان بين القريب وقريبه محبة، يقول له: لا تعمل هذا؛ فهو حرام، فيستحيي منه ولا يفعل هذا الشيء، لكن لو لم توجد بينهما مودة يقول لك: لست علي رقيباً! فالإسلام الدين العظيم يأمر الناس بالتعارف، والتعارف وسيلة لإقامة دين الله عز وجل في الأرض.

ولا يجوز للإنسان إذا رأى من يعمل شيئاً من المنكرات أن يقول: ما لي دخل، ربنا سيحاسبه، له أفعاله ولي أفعالي! ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر؛ فتشيع الفواحش بين الناس بسبب ترك هذه الفريضة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>