للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نهي المسلم عن المرح والخيلاء والكبر]

قال تعالى: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [الإسراء:٣٧] المرح: هو التبختر، أن يمشي الإنسان متخبترا مستكبرا يختال في مشيته، ففي الأثر عن غضيف بن الحارث قال: أتيت بيت المقدس أنا وعبد الله بن عبيد بن عمير، فجلسنا إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، فسمعته يقول: إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه، يقول: يا ابن آدم! ما غرك بي ما غرك بي؟ ألم تعلم أني بيت الوحدة؟ ألم تعلم أني بيت الظلمة؟ ألم تعلم أني بيت الحق؟ يا ابن آدم ما غرك بي؟ لقد كنت تمشي حولي فداداً.

هذه الموعظة ليس حديثاً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من قول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تبارك وتعالى عنه, فلما قال: لقد كنت تمشي حولي فداداً، قال غضيف: ما الفداد يا أبا أسماء؟ قال: كبعض مشتيك يا ابن أخي! فالفداد: أن يمشي المرء مختالاً متكبراً، يدق برجليه على الأرض ويقفز، وهذا من أدبه رضي الله عنه حين قال: كبعض مشيتك يا ابن أخي! فلم يقل له: كمشيتك دائماً، وإنما قال: أحياناً.

ومشية الفداد أصلها مشية أصحاب الإبل، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفخر والخيلاء في الفدادين من أصحاب الإبل؛ فعندما يكون فوق الجمل يحس أنه أعلى من الناس, والرقة والتواضع في أهل الغنم، كذا ذكر النبي صلوات الله وسلامه عليه.

فالغرض: أن الإنسان حين يكون معه مال، ومراكب عالية فارهة يستكبر على الخلق، ويمشي بينهم مرحاً باختيال وفخر، فحذر الله سبحانه وتعالى من ذلك، قال تعالى: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:١٨] ويأبى الله عز وجل أن يدخل الجنة إنساناً في قلبه مثقال ذرة من كبر، فكيف بالإنسان المستكبر! فالكبر من خصوصيات الله سبحانه وتعالى، وهي صفة لا تليق إلا به سبحانه، فالكبر لله عز وجل، والعظمة لله؛ لأنه يستحق ذلك سبحانه وتعالى، أما المخلوق الضعيف الذي خلق من طين، وخلق من تراب يداس إذا مشى الناس فوقه ما الذي يدعوه إلى الاستكبار وهو ضعيف؟! بل إذا كان ذا غنىً وقوة فإنه يرجع إلى الضعف مرة أخرى، فالكبر لله عز وجل، وهي صفة جلال له سبحانه وتعالى وحده ولذلك يقول الله سبحانه في الحديث القدسي: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحدة منهما أدخلته النار) فالله سبحانه تبارك وتعالى له العزة، والمؤمن له عزة، بأن يعزه الله سبحانه وليس لأصله، ولكن الله يعز المؤمنين بإيمانهم، إذاً: العزة صفة جلال وكمال لله سبحانه وتعالى، فالكبرياء والعظمة والعزة له سبحانه وتعالى، فإذا كان الإنسان يتعزز على خالقه ويستكبر على الخلق وعلى الخالق، فإنه يستحق أن يكون في النار.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ} [لقمان:١٨] أي: يختال ويعجب بنفسه وبرأيه وحسنه، ويعجب بأن حوله أنصاراً وأولاداً، فهو معجب بنفسه، مختال فخور مكاثر للخلق في المال والولد والجاه والوجاهة والذكاء، ويظن أنه أفضل من غيره، قال تعالى: (إن الله لا يحب كل مختال فخور) فارجع الأمر إلى صاحبه سبحانه وتعالى وقل: اللهم وفقني إلى كذا، قال تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:٨٨] فالتوفيق بالله سبحانه وليس بذات العبد في نفسه.

فمن وصية لقمان لابنه: (إن الله لا يحب كل مختال فخور) وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) فإذا كان الإنسان يمشي وثوبه إلى الأرض لا ينظر الله عز وجل إليه لا في الدنيا وهو يصلي ولا في الآخرة، فإذا كان هذا محله عند ربه سبحانه الاحتقار والازدراء، فليس من الممكن أن يكون هذا الإنسان من أهل الجنة؛ بل إن هذا يستحق أن يكون في النار.

<<  <  ج:
ص:  >  >>