للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر)]

قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥].

يخبر تعالى هنا أنه وعد وكتب عنده في الكتب السماوية: {أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥]، ولابد من أن يكون هذا الشيء.

وقد اختلف المفسرون هنا في المراد بهذه الأرض، فبعضهم ذكر أنها هذه الأرض التي في الدنيا، يعني: أن الله عز وجل يفتح لدينه، فإذا بالناس يدخلون في دين الله أفواجاً، وتفتح الأرض لدين الإسلام، ولا يبقى بيت مدر ولا حجر إلا دخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل به الكفر وأهله.

ولذلك قال هنا: {وَعْدًا عَلَيْنَا} [الأنبياء:١٠٤]، إذاً: هنا الأرض مثلما كانت مكة للمؤمنين مع نبينا عليه الصلاة والسلام، وكان وعداً من الله عز وجل أن يجعل المستضعفين هم الذين يمكنون في الأرض، فكذلك جعل لهذه الأمة التمكين يوماً من الأيام.

فإذا اقتربت الساعة، ونزل المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، لم يبق على الأرض دين إلا الإسلام، فالمسيح عليه السلام لا يقبل الجزية من نصراني أو يهودي، ولا يقبل إلا الإسلام فقط، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ولا يكون إلا دين الله عز وجل الذي هو دين الإسلام فقط، وهو الذي يحكم به المسيح صلوات الله وسلامه عليه.

ثم بعد ذلك يرسل الله عز وجل ريحاً، فتقبض أرواح المؤمنين جميعاً، ولا يبقى إلا شرار الخلق، فيرجعون إلى الكفر مرة ثانية، ولا يعرفون لهم إلهاً حتى يفنيهم الله، وعليهم تقوم الساعة.

فالمقصود أن الله عز وجل وعد المؤمنين بأنه سيورثهم هذه الأرض بالفتوحات والنصر منه تبارك وتعالى كما يشاء.

والمعنى الآخر: أن المقصود بالأرض في الآية الجنة، يعني: أن الله عز وجل كتب أنه يورث هذه الجنة لعباده الصالحين، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء:١٠٥] والزبور هنا معناه: المزبور، وهو المكتوب، فالزبور هنا بمعنى: الكتاب، وهو الصحيفة أو الصحف التي نزلت على داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

وقيل: إن الزبور كل الكتب السماوية، والزبر: الكتب.

وفي هذه الآية قراءتان: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ} [الأنبياء:١٠٥]، هذه قراءة الجمهور.

وقرأ حمزة وخلف: ((ولقد كتبنا في الزبور)).

الزبور إما جمع زبر بمعنى: صحيفة أو مكتوب، أو جمع زبر بمعنى: كتاب، أو جمع زبور بمعنى: كتاب.

فعلى ذلك قالوا في قوله تعالى: {فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء:١٠٥]، الذكر: أم الكتاب الذي هو عند الله عز وجل، وهو: أصل الكتاب في اللوح المحفوظ الذي عند الله، فنسخ من هذا اللوح المحفوظ إلى الكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء والمرسلين، وهي التوراة، والإنجيل، وصحف إبراهيم، والقرآن العظيم، وزبور داود، فكتب الله عز وجل في اللوح المحفوظ، ونسخ من اللوح المحفوظ في هذه الكتب السماوية: {أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥].

وقيل: بل معنى الزبور: زبور داود، وإن القرآن كتب من قبلها، قالوا: فالذكر المقصود به هنا القرآن، ولذلك قالوا: إن المقصود بقوله تعالى هنا: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء:١٠٥]، أي: من بعدما كتبنا ذلك في القرآن والزبور وأنزلنا هذه الكتب: أن الأرض بوعد من الله عز وجل يورثها عباده الصالحين، فقال: {أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥] {وعِبَادِيَ} [الأنبياء:١٠٥] فيها قراءتان: قراءة الجمهور: (عباديَ الصالحون)، بالفتح.

وقراءة حمزة: (عباديْ الصالحون)، بالسكون.

فإذا وقف عليها فـ يعقوب يقف: ((عِبَادِيَ الصَّالِحُونَه)) بهاء السكت.

<<  <  ج:
ص:  >  >>