للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أنس بن النضر وطلحة بن عبيد الله ممن قضى نحبه]

وقال الله سبحانه في هؤلاء المؤمنين: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} [الأحزاب:٢٣]، أي: منهم من وفى بعهده لله سبحانه وتعالى، ومن هؤلاء الذين وفوا بعهودهم أنس بن النضر رضي الله تبارك وتعالى عنه، فقد قاتل يوم أحد ببسالة، فكان شهيداً عظيماً رضي الله تبارك وتعالى عنه.

ومن هؤلاء أيضاً طلحة بن عبيد الله رضي الله تبارك وتعالى عنه، فهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنهم جميعاً، بشرهم الله عز وجل بالجنة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا طلحة بن عبيد الله ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم أحد حتى أصيب، وكان ذلك في سنة ثلاث من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث دافع عن النبي صلى الله عليه وسلم دفاعاً شديداً، وذلك لما حوصر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سبعة من الأنصار، من هؤلاء السبعة: طلحة بن عبيد الله رضي الله تبارك وتعالى عنه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من للقوم؟ من للقوم؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فقام الأنصاري وقاتل قتالاً شديداً حتى قتل رضي الله تبارك وتعالى عنه.

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: من للقوم؟ فقال آخر: أنا، حتى قتل هؤلاء الأنصار جميعاً، ولم يبق إلا طلحة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من للقوم؟ فقام طلحة يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم دفاعاً شديداً فقاتل كقتال هؤلاء السبعة رضي الله تبارك وتعالى عنه حتى ضرب ضربة على يده قطعت له عرقاً رضي الله عنه، فشلت يده التي وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان المقصود بالضرب: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقاه طلحة بيده فشلت رضي الله تبارك وتعالى عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن طلحة: (أوجب طلحة)، أي: وجبت لـ طلحة الجنة رضي الله تبارك وتعالى عنه.

وجاء في سنن الترمذي عن طلحة بن عبيد الله أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي: سله عمن قضى نحبه؛ لأن الصحابة كانوا يخافون أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم بعدما نهاهم عز وجل عن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم.

والنحب معناه: النذر أو الحاجة أو العهد أو الموت، فكل المعاني صحيحة، فسأل الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه ولم يرد عليه صلى الله عليه وسلم، ثم سأله مرة ثانية، فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم، ثم سأله مرة ثالثة فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، يقول طلحة بن عبيد الله: فدخلت من باب المسجد وعلي ثياب خضر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من السائل عمن قضى نحبه؟) فقال الأعرابي: أنا، قال: (هذا ممن قضى نحبه!) فذكر طلحة بن عبيد الله رضي الله تبارك وتعالى عنه.

فعلمنا من الحديث أن من قضى نحبه ليس معناه: الموت؛ لأن طلحة حي وليس ميتاً، فمن فعل ذلك يكون المعنى {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} [الأحزاب:٢٣]، أي: وفى بنذره، ووفى بعهده مع الله عز وجل، وقد يكون منهم من مات، فالآية ليست متعلقة بمن مات فقط، بل هي متعلقة بمن وفى بنذره سواء مات أو كان باقياً على قيد الحياة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>