للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إثبات صفة الحياء لله تعالى]

قوله: {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب:٥٣].

الله تبارك وتعالى يستحيي، ولكن لا يستحيي من الحق، فالله حيي كريم سبحانه، وفي الحديث: (يستحيي إذا رفع عبده يديه أن يردهما صفراً)، فإذا رفع العبد يديه فالله يستحيي أن ينزل العبد يديه من غير أن يأخذ حاجة، فيعطيه ربنا سبحانه بكرمه وفضله.

إذاً: الله يستحيي أن يسأل فلا يعطي، فمن سأله أعطاه سبحانه بفضله وبكرمه، ولكن لا يستحيي من الحق: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:٢٦]، فالله لا يستحيي من الحق حتى ولو كان الأمر أن يضرب لكم المثل بالبعوضة، والبعوضة خلق من خلق الله لا تقدر أن تخلق مثلها، فالله الذي خلقها، وهو يضرب المثل بالشيء الذي خلقه، وكل خلق الله سبحانه وتعالى عظيم.

إذا تفكرتم وتدبرتم وتأملتم علمتم لم ضرب الله عز وجل المثل بالبعوضة أو بالذبابة، والمتأمل يعرف أن ذكر هذا الشيء فيه معجزة من المعجزات، فمثلاً قال الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:٧٣]، الطالب: الذي يطلب الذباب ضعيف، والمطلوب: وهو الذباب أضعف منه، فإذا أخذ الذباب شيئاً بفمه فإنه ينزل منه سائل يحوله إلى شيء آخر، فمستحيل أن ترجع ما أخذه الذباب.

وضرب الله المثل بالبعوضة، وفيها آيات من آيات الله، تدخل إبرتها في جسم الإنسان وتسحب منه الدم، وترى في الظلام، فمعها أشعة فوق بنفسجية أو تحت الحمراء ترى بها في الظلام العرق الذي تسحب منه الدم، فالبعوضة أنت لا تهتم بشأنها، والله لا يستحيي أن يضربها مثلاً، فالبعوضة شيء عظيم من خلق الله سبحانه وتعالى، فهي تفعل هذا الشيء الذي لا تقدر أنت على مثله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:٢٦].

إذاً: ربنا في أمر الحق في الإرشاد في الدعوة إليه لا يستحيي، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الحق ولا يستحيي من ذلك، ولما استحيا مرة عاتبه الله عز وجل، قال الله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب:٣٧]، فالله أوحى إلى نبيه أن زينب رضي الله عنها زوجة زيد بن حارثة سيطلقها زوجها، ثم أنت ستتزوجها، وزيد ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أريد أن أفارقها، فقال له: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:٣٧] وهو يعلم أن الله قد ذكر له أنه سيطلقها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>