للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

معنى قوله تعالى: (اعملوا آل داود شكراً)

قال الله عز وجل: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سبأ:١٣] أمرهم الله تعالى بالعمل وهو الشكر، وأهل الإعراب يقولون: هو مفعول به، والتقدير: اعملوا العمل الذي هو شكر.

إذاً الشكر يكون عملاً وليس بالقول فقط، وكذا كل مؤمن مأمور بأن يشكر الله سبحانه وتعالى بلسانه وقلبه وعمله.

وشكراً في قوله تعالى: ((اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا)) يحتمل أن تكون تمييزاً لهذا العمل، ويحتمل أن تكون مفعولاً لهذا الفعل، فكأن العمل الذي تعملونه هو الشكر لله سبحانه أو يكون شكراً لله سبحانه وتعالى، فالمؤمن يعمل لله عز وجل شاكراً نعم الله عز وجل عليه، فيعمل ويجتهد ويصلي ويصوم ويقوم لله سبحانه وتعالى، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم قياماً طويلاً، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: حتى ترم قدماه صلوات الله وسلامه عليه، أي: تتورم قدماه، فتقول: (يا رسول الله! ألم يغفر الله عز وجل لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً) عليه الصلاة والسلام.

فالعبد الشكور هو الذي يعرف نعمة الله فيشكر بلسانه وبقلبه وبعمله.

قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سبأ:١٣] فكان داود يعمل العمل العظيم من التسبيح الذي كان تتجاوب معه الجبال والطير، ويقوم في ثلث الليل مصلياً لله سبحانه وتعالى، ويحكم بين الناس بالحق، ويطيع الله سبحانه في أمره وحكمه بين الناس، وكان ذا استغفار وتسبيح كثير، كذلك سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فلما قال الله عز وجل: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سبأ:١٣] قاموا بذلك ونفذوه، وهذا كله تهيئة وتوطئة ليبين لنا بعد ذلك أن الذين شكروا الله عز وجل على نعمه أعطاهم الفضل العظيم، وأن من لم يشكر الله سبحانه يستحق نقمة الله عليه جزاء وفاقاً.

قال سبحانه: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣] أي: أن قليلاً من عباد الله عز وجل من يشكر، فيمكن لكل إنسان أن يقول: الحمد لله، ولكن هل هذه الكلمة تخرج من قلب هذا الإنسان وهو يقول: الحمد لله أم هو يستقل نعمة الله عز وجل عليه، ويستكثر نعمة الله على غيره، فيحسد الغير ويحقد عليه؟! العبد الذي يشكر لله سبحانه يعرف أن مبدأ النعم منه سبحانه، وأنه يعطي ما يشاء لمن يشاء سبحانه، يعطي ليس لاستحقاق العبد ولكن فضلاً منه سبحانه، فيعطي بفضله من يشاء، فإذا أعطاك الله عز وجل شيئاً فاحمد ربك على ما أعطاك، واعلم أنك مهما بالغت من شكر فإن النفع لنفسك، كما قال ربنا: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [النمل:٤٠]، فشكرك يرجع إليك بنعم من الله، كما قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:٧] فإذا شكر العبد ربه سبحانه زاده الله من الخير، وزاده من النعم كما فعل بداود وسليمان عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، فذكر أنه أنعم عليهما وأنه أمر آل داود -وهم: داود وأبناؤه وذريته- أن يعملوا لله عز وجل شاكرين له سبحانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>