للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عقاب الله لأهل سبأ]

فلما قالوا ذلك وظلموا أنفسهم بذلك قال الله سبحانه: {وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [سبأ:١٩] أي: جعلنا حديثهم على كل لسان.

وكل أحد يقول: هل رأيتم كيف فعل الله بأبناء سبأ؟ أرأيتم كيف فرقهم الله يميناً وشمالاً؟ أرأيتم ربنا كيف بددهم؟ فصار يضرب بهم الأمثال على خيبة الحال وعلى ما آل إليهم هذا المآل بكفرهم وببغيهم وبخروجهم عن طاعة ربهم سبحانه تبارك وتعالى.

قال تعالى: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ:١٩] أي: فرقناهم بعدما كانوا مجتمعين في بلدة واحدة، فتفرقوا في البلدان، فأصبح هؤلاء هنا وهؤلاء هنا، وذهبوا إلى كل مكان.

قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ:١٩] أي: لا يعتبر بذلك إلا من عرف نعم الله سبحانه، وصبر عن المعاصي، وتأسى بأفعال الصالحين، كنبينا صلى الله عليه وسلم وكداود وسليمان وغيرهم عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، فهؤلاء هم الذين يعتبرون بالآيات، وأما من ترك الاعتبار بالآيات فقد وقع فيما وقع فيه هؤلاء الناس الذين فرقهم الله سبحانه تبارك وتعالى.

يقول ابن عباس رضي الله عنه: لم يخرج من اليمن جميع قبائل سبأ، فست قبائل بقوا في اليمن يأكلون من هذه الثمار الرديئة، وأربع قبائل خرجوا إلى الشام فتفرقوا هنالك.

والذين بقوا: الأزد ومذحج وكندة والأنمار والأشعريون وحمير.

وتفرق الآخرون فذهبوا إلى الشام، ومنهم من توجه إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان من ذريتهم بعد ذلك الأوس والخزرج، ونزلت عليهم اليهود وحصلت محالفات بينهم، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وأدخل الله عز وجل الإسلام المدينة وطيبها سبحانه تبارك وتعالى.

فالغرض: أن الله سبحانه جعل هؤلاء عبرة وقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ:١٩] أي: كثير الصبر على قضاء الله وقدره.

{شَكُورٍ} [سبأ:١٩] أي: يشكر نعم الله سبحانه، ويصبر عن المعاصي فلا يقع فيها، ويصبر لأمر الله، ويشكر الله سبحانه إذا أعطاه النعم.

فيمن الله عليه بالعلم والمعرفة ويمن عليه بالإيمان وبالصبر، فيصبره على قضائه وقدره.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>