للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب)]

قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [سبأ:٤٨] أي: ينزل الله سبحانه الحق من السماء، والحق هو الوحي والقرآن الذي أتانا من عند رب العالمين سبحانه، والحق خلاف الباطل.

فالله عز وجل يأتي بالحق ينزله على النبي صلوات الله وسلامه عليه، والتعبير هنا تعبير عظيم فقد قال: (يقذف) والقذف يكون بالحجر، تقول: فلان قذاف، يعني: يمسك الحجر ويحذف بها، ويمسك الرمح ويقذف به، فإذا رمى بالشيء اليسير فهذا هو الحذف، كأن يحذف بالحصا إذا حذفها بأصابعه، أما رميه بالشيء الكبير فهذا هو القذف، كأن يقذف بالصخر، فالله سبحانه وتعالى يشبه نزول الحق من السماء بهذا الحجر الذي يقذف به المضل الباطل، فالله عز وجل ينزل هذا القرآن من السماء، يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، فالقرآن نزل ليقضي على الباطل وليس ليتلطف به؛ ولذلك جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما كادت له قريش كيداً عظيماً، وأتعبوا النبي صلى الله عليه وسلم فقام لهم صلوات الله وسلامه عليه وقال: (والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح) فهؤلاء الكفار كانوا يتطاولون عليه صلوات الله وسلامه عليه، فكانوا كلما طاف بالكعبة ومر بهؤلاء الكفار شتموه وسبوه صلوات الله وسلامه عليه، ثم وقف لهم فقال: (والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح، فهم لما قال ذلك خافوا وقالوا: اذهب يا أبا القاسم ما عهدناك جهولاً) يعني: لا تقلدنا بجهلنا، فلسنا متعودين منك الجهالة؛ ولذلك قال ربنا للمؤمنين: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:٦٠] فهؤلاء الكفار لا ينفع معهم اللين؛ لأنهم متكبرون، ولكن أعد لهم القوة التي يخافون منها، وإذا كنت من أهل القوة فتلطف معهم لعلهم يدخلون في دينك، وإذا ظلوا على العناد وعلى العداوة وأظهروا ذلك فقاتلهم وأخفهم بذلك.

قوله: ((قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ)) أي: ينزل الحق من السماء وحياً على النبي صلى الله عليه وسلم ليفضح الكفار ويقذف به الباطل، والقذيفة: هي الشيء الذي يرمى به، فكأن الوحي ينزل من السماء كالقذائف على الباطل وأهله فيدمغهم ويهلكهم ويمحوهم، فهو يقذف بالحق علام الغيوب سبحانه، فالذي يقذف هو الله سبحانه وتعالى، وهو علام الغيوب يعلم كل شيء سبحانه وما يستحقه هؤلاء، وأنت لا تعلم ولكن الله يعلم أنه لا يصلح معهم إلا قتالهم، لذلك أمرك بقتالهم وبالإعداد لهم، وأنزل عليك القرآن ليدمغ باطلهم وليشدخه ويزيله، ليهلك الباطل ويحق الحق بكلماته سبحانه.

فقوله: ((قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ)) أي: أن الحق قوة والذي على الحق معهم قوة، معه قوة كتاب الله سبحانه ومعونة الله سبحانه؛ لأنه على الحق.

قوله: {الْغُيُوبِ} [سبأ:٤٨] هذه قراءة الجمهور، وقراءة شعبة عن عاصم، وقراءة حمزة (علام الغِيوب)، والغيوب جمع غيب، والله عز وجل يعلم ما خفي من الأشياء وما ظهر سبحانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>