للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي)]

قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ:٥٠].

هم يتهمونه بأنه على الضلال صلوات الله وسلامه عليه، وأنه جاء بما لا يعرفونه، وجعل الآلهة إلهاً واحداً وقالوا: إن هذا لشيء عجاب، فالله عز وجل يأمره أن يخاطب عقولهم ويقول لهم: انظروا وتدبروا وتأملوا في هذا الذي جئتكم به هل هو باطل؟ هل فكرتم فيه حتى تعرفوا أنه حق أم باطل؟ وقد وعظهم قبل ذلك بقوله: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ:٤٦] فهو أمرهم بالتفكر، ثم تنزل معهم وقال: فرضنا أن هذا الشيء الذي جئتكم به باطل، أليس عندكم عقول تتبينون بها الباطل من الحق؟ إن كان باطلاً كما تزعمون فضلالي على نفسي وأنا أضر نفسي بهذا الشيء، وهل إنسان عاقل يريد أن يضر نفسه أو يضلها؟ إن ضللت كما تقولون فضلالي على نفسي، وأنا أحمل هذا الذنب عند الله سبحانه، وأنا الذي أقول لكم بكتاب الله عز وجل: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤] أي: لا أحد سيحمل عني ذنبي، وأنا الذي أحمل الذنب، أفأمنعكم من الذنب وأقع فيه؟ هل يعقل هذا الشيء؟ فقوله تعالى: ((قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ)) هذه هي الحقيقة، أي: إن كنت على ضلال فسأضر نفسي وسأقع في عذاب الله سبحانه، وإن كنت على هدى فبما يوحي إلي ربي، والهدى ليس من عندي، فأنا عشت معكم، ولم أقرأ كتباً لأهل الكتاب ولا سافرت خارج هذه البلدة حتى أتعلم من أناس خارجها، بل في سفراته المعدودة كانوا هم معه صلوات الله وسلامه عليه، فعلموا أنه لن يتلقى علماً من أحد من البشر، فمن أين أوتي بهذا العلم العظيم؟ يقول: ((وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي)) أي: بالوحي من الله سبحانه وتعالى قد هداني.

وقوله: ((إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ)) أي: الله سبحانه سميع يسمع كل شيء فيحاسب عما سمعه سبحانه، فهو سميع يسمع سبحانه الأصوات ما ظهر منها وما خفي منها، يسمع كل شيء، فهو قريب منكم أقرب إلى أحدكم من حبل الوريد، وإن كان هو فوق سماواته سبحانه وتعالى، ولكنه قريب من عباده يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، فالله عز وجل قبل أن يتحرك إنسان لنجدتك ينقذك وينصرك سبحانه وتعالى، وقبل أن يتحرك أقرب الموجودين إليك ليؤذيك فالله أقرب منه يمنعه سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>