للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المناسبة بين أول سورة سبأ وبين آخرها]

انظر كيف بدأ الله سبحانه وتعالى هذه السورة العظيمة الجميلة بالحمد له سبحانه وكيف ختمها سبحانه وتعالى، فهي بدايتها بدأ بحمده سبحانه وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [سبأ:١] وكأن هؤلاء المشركين يرفضون أن يعبدوا الله حامدين شاكرين له سبحانه متوجهين إليه بأفعالهم، فالله لا يحتاج إليهم سبحانه فهو الغني وهو يحمد نفسه جل في علاه.

فلله الحمد الذي يعلم ما يلج في الأرض، ويعلم ما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يصعد فيها سبحانه وتعالى، وهو الرحيم بعباده المؤمنين، الغفور الذي يغفر لمن تاب وأناب إليه سبحانه.

ثم قال: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ} [سبأ:٣] أي: بدأ بذكر قصة هؤلاء الكفار الذين قالوا: ليس هناك ساعة ولا قيامة، فقال الله سبحانه: إنهم قد سعوا في آيتنا معاجزين يريدون إبطال هذه الآيات، وقد قال لهم الذين أوتوا العلم: إن هذا هو الحق الذي جاء من عند الله سبحانه، فإذا بهم يتهكمون على النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ} [سبأ:٧ - ٨] وساق أفعال هؤلاء، وكيف أنهم اتبعوا الشيطان من دون الله، وكيف اتبعوا الهوى، وضرب لهم الأمثلة وذكر لهم قصة سليمان عليه الصلاة والسلام، وكيف عبد ربه هو وأبوه داود عليه السلام، كذلك الجبال والطير يعبدون الله سبحانه، والكفار يأبون إلا الكفر الذي هم فيه، وغير ذلك مما ذكره الله عز وجل في أول السورة، فختم بالجزاء: ((وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ)) فهؤلاء يستحقون كل الذي فعله ربنا بهم؛ لأنهم في الدنيا لا يريدون أن يشكروا الله ولا أن يحمدوه سبحانه، ولا يتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاءوا يوم القيامة يقولون: أرجعنا، فأنى لهم التناوش والتناول في ذلك الموقف؟ فمستحيل أن يرجعوا إلى الدنيا ويخرجوا من النار.

فإذاً: قد أعذر من أنذر، فالله عز جل جاءهم بالحق فرفضوا ذلك، وساق لك كيف صنعوا مع ربهم، فهم يستحقون هذا الجزاء ولم يظلمهم الله سبحانه وتعالى، إذ حال بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل؛ لأنهم كانوا في شك مريب.

نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، ونسأل الله سبحانه أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>