للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأمر بتطهير النفوس]

إن الله سبحانه تبارك وتعالى أمرنا بتزكية النفوس فقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:٩].

ونهانا عن التزكية فقال: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:٣٢].

ولا شك أن هذا غير هذا.

فقد أمرنا بالتزكية وأخبر عن الجزاء فيها فقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:٩].

فمن طهر نفسه من الشرك بالله سبحانه، ومن المعاصي والذنوب، وأقبل على الله سبحانه واتبع سبيله سبحانه تبارك وتعالى فقد أفلح.

وأما قوله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [النجم:٣٢] فالمقصود به تزكية النفس بالمدح، والتكلم عن النفس، وكأن الإنسان هو الذي هدى نفسه ورزقها، فيتكلم ويمدح نفسه ويقول أنه: أفضل من فلان وأحسن من فلان وعنده أكثر من فلان.

قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:٣٢].

وقد يقول الإنسان: إن إيمانه أكثر من إيمان فلان، وأنه يعمل كذا وهو لا يعمل هذا الشيء.

وقد نهي عن هذا.

قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [النجم:٣٢]، أي: لا تمدحوا أنفسكم.

ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يمنع الصحابة من أن يمدح بعضهم بعضاً في وجهه، ويقول لمن فعل ذلك: (قصمت ظهر أخيك)؛ لأنه إذا مدحه في وجهه فقد يعمل بعد ذلك العمل يرائي به، فكأنه بهذا قصم ظهره.

وقال صلى الله عليه وسلم: (احثوا في وجوه المداحين التراب)؛ لأن المدح يغر الناس في أنفسهم ويغرهم في دينهم.

والتزكية التي مدحها الله هي: التطهر من الشرك والمعاصي والذنوب، والتقرب إلى الله.

هذه هي التي أمر الله عز وجل العبد بها وأخبر بأنه {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:١٠] أي: من نجسها بالكفر وبالشرك وبأدران المعاصي وما فيها من قذر.

قال الله سبحانه: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [فاطر:١٨]، أي: أن الإنسان الذي يفعل الصالحات فجزاؤه لنفسه.

وعمله عائد إليه، ومنفعته ترجع إليه يوم القيامة.

وإلى الله المرجع فيجازي العباد على ما قدموا.

وقد جاء في سنن النسائي من حديث ثعلبة بن زهدم اليربوعي قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في أناس من الأنصار فقالوا: يا رسول الله! هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع قتلوا فلاناً في الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهتف بصوته: ألا لا تجني نفس على الأخرى)، يعني: ليس هؤلاء الذين قتلوه.

أي: لا تزر وازرة وزر أخرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يحمل أحد عن أحد شيئاً، ولا يحمل الإنسان ما فعله غيره إلا أن يكون هو الذي سنه له، وهو الذي علمه أن يصنعه ويفعله.

فلا تجني نفس على الأخرى، فالقاتل هو الذي يقتل، فإذا لم يعف أهل القتيل فعليه القصاص الذي أخبر به الله سبحانه، أما أن يقتل غير القاتل لكونه من القبيلة نفسها فهذا من أفعال الجاهلية التي لا يقرها الإسلام ومنعها.

فالجاني عقوبته وإثمه على نفسه.

والسارق تقطع يده ولا تقطع يد غيره، من قريب ونحوه.

فلا أحد يحمل عن أحد شيئاً في كل الذنوب، سواء في الدنيا أو في الآخرة.

وروى أبو داود من حديث أبي رمثة قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من هذا معك؟ قال: ابني أشهد به) كأنه ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يتشكك فيه فقال: ابني أشهد به.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إنك لا تجني عليه ولا يجني عليك).

إذاً: فالمقصد من السؤال هو البيان له ولغيره أنه لا يحمل أحد عن الآخر إثمه، ولا تجني نفس على أخرى ولكن تجني على نفسها، ويحاسب كل الإنسان بذنبه لا بذنب غيره.

نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>