للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[النفخ في الصور لإحياء الخلق]

قال تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:٥٢] هذا كلام الكفار حين يبعثون ويعلمون أن مصيرهم إلى النار، فيقولون: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} ويجابون: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} [يس:٥٢]، أو يقول بعضهم لبعض: هذا الذي كنا نكذب به من قبل، هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، لم يتبين لهم صدق المرسلين إلا حين جاءتهم الوفاة، حين دخلوا قبورهم، ثم بعثوا بعد ذلك من قبورهم تبين لهم في كل هذه المواطن أن الرسل كانوا على حق في حين لا ينفع ما تبينوه الآن، فقد صاروا إلى الآخرة وليسوا في الدنيا.

{قَالُوا يَا وَيْلَنَا} [يس:٥٢] يدعون بالويل، يعني: يا ويلنا احضر، والويل الهلاك، كأنهم يدعو أحدهم على نفسه بالهلاك، يقول: يا ويل احضر، يا هلاك احضر، تعالى الآن خذني.

وهذه الكلمة فيها ما فيها من الرعب الذي يخرجون به من قبورهم.

{مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:٥٢] والقبر مرقد لصاحبه، وهو إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النيران، فهم كانوا يعذبون في قبورهم ولكن الله سبحانه حين يأمر بالنفخ في الصور النفخة الأولى فيقضي على جميع الخلق بالموت، ويقضي على أهل القبور بالرقاد، وعندما يرقدون يرفع عنهم العذاب في هذه الفترة ما بين النفخة الأولى والنفخة الثانية.

في الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين النفختين أربعون.

قيل: أربعون يوماً؟ قال: أبيت.

قيل: أربعون شهراً؟ قيل: أبيت.

قال: أربعون سنة؟ قال: أبيت) راوي الحديث أبو هريرة رضي الله عنه لا يدري أربعون يوماً أو شهراً أو سنة، قال: (أبيت) يعني: أن أتكلم فيما ليس لي به علم، والذي أخبر هو النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: (ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة)، الإنسان يبلى تماماً في قبره إلا آخر عظمة في العمود الفقري، وهي التي يكون منها الحيوان، وهي كالبذرة للإنسان ينبت منها يوم القيامة.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل الله عز وجل من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل) البقل: النبات الذي ينبت ساقه في الأرض وأوراقه عليها مثل الجرجير وغيره مما يخرج على الأرض، ينزل من السماء ماء وتنبت البقول وينبت الإنسان كما ينبت هذا النبات، ينزل من السماء ماء فيجمع الله عز وجل الإنسان من كل مكان وينبت ويخرج مرة أخرى ويركب الخلق يوم القيامة من عجب الذنب.

وهنا يسكت حفص بخلف: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} [يس:٥٢]، وعندما نقول: سكت فهو بغير تنفس، فهي سكتة لطيفة خفيفة، ثم يقرأ ما بعد ذلك فهو إما أن تقف أصلاً عليها ثم تبتدئ من بعدها {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:٥٢]، أو أنك تصل الآية، فإذا وصلت فعند حفص عن عاصم أنك تسكت سكتة حتى تفصل جملة عن جملة بهذا السكت، فيكون سؤالهم: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:٥٢] أي: من بعثنا من هذا المرقد الذي نحن فيه؟ فيكون الجواب عليه من ملائكة الله عز وجل: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} [يس:٥٢] يعني: هذا وعد الرحمن، ما وعدكم الرحمن سبحانه {وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:٥٢]، فكأن هذا مبتدأ وما بعده خبر له على هذا السكت.

ولو وصل على قراءة جمهور بدون سكت {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:٥٢]، وهو وجه آخر لـ حفص عن عاصم في ذلك، يكون المعنى أنهم {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:٥٢].

ثم يجيبون على أنفسهم: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:٥٢] يعني: وعد الله تبارك وتعالى قد تحقق الآن وصدق المرسلون الذين كنا نكذبهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>