للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أصحاب الجنة فيها]

الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة يس: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ * وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ * وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ} [يس:٥٥ - ٦٨].

هذا موقف من مواقف القيامة يذكره لنا ربنا تبارك وتعالى في حسابه لخلقه يوم القيامة، فريق في الجنة وفريق في السعير.

أهل الجنة أدخلهم الله عز وجل الجنة منهم السابقون الذين سبقوا الجميع ودخلوا الجنة بغير حساب أو بحساب يسير، فسبقوا غيرهم ودخلوا الجنة فانشغلوا بما فيها من نعيم عظيم من فاكهة جميلة من حور عين وغير ذلك مما ينعمون به في الجنة، انشغلوا عن حال غيرهم من أهل الموقف الذين ما زالوا في الحساب، وغيرهم الذين دخلوا في النار، فانشغلوا بالنعيم الذي هم فيه عن هذا كله.

{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} [يس:٥٦ - ٥٦].

نساؤهم إذا استحققن الجنة كن مع أزواجهن، وإن كن من نساء الجنة فهن أزواج مطهرات من الحور العين: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس:٥٦ - ٥٧].

ينعمون فيها، يجلسون متكئين، في سرر كسرير العروس الذي تجلس فيه في الدنيا وهو مزين بالقباب مزين بالستور مزين بالثياب فيه أرائك فيه عرش تجلس عليه العروس ويجلس عليه معها زوجها، هنا في الجنة ينعمون بذلك، بل بأفضل من ذلك بكثير.

{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس:٥٧]، ما يطلبون، ما يسألون الله عز وجل من شيء إلا وأعطاهم بزيادة سبحانه تبارك وتعالى.

{وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:٥٧ - ٥٨].

((وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ سَلامٌ)) على معنيين فيها: أي ما يدعونه خالصاً لهم، ((سَلامٌ)) أي: سالم لهم، كما ذكر الله عز وجل: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} [الزمر:٢٩] يعني: خالصاً له، وهنا (سلام)، ما يدعونه خالص لهم في هذا اليوم لا يشركهم فيه أحد لا يوجد أحد.

المعنى الآخر: ((سَلامٌ))، كأنه ابتداء واستئناف، أو: هذا سلام، أو: لكم من الرب الرحيم سلام، أي: تحية مباركة من الله سبحانه تبارك وتعالى، يسلم على أهل الجنة: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:٧٣]، التسيلم من الله سبحانه، والتسيلم من الملائكة، والمؤمنون يسلم بعضهم على بعض وهم في الجنة، تحيتهم يوم القيامة في الجنة سلام، {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [إبراهيم:٢٣].

كذلك يقال لهم: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:٣٢]، {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:٥٨]، {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:٧٣]، فيكون المعنى هنا، سلام أي: يعطيهم الله سبحانه تبارك وتعالى السلام والأمن، ويحييهم ربهم الحياة الطيبة والتحية العظيمة، سلام قولاً من ربكم سبحانه تبارك وتعالى، فيميز هذا التسليم بأنه قولاً من الله سبحانه تبارك وتعالى، {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ} [يس:٥٨] خالق مالك يملك كل شيء، رحيم بعباده سبحانه تبارك وتعالى، {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:٥٨].

<<  <  ج:
ص:  >  >>