للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (يطاف عليهم بكأس من معين)]

قال الله سبحانه: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الصافات:٤٥] يطوف الخدام عليهم في جنة الخلود، {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الصافات:٤٥] هذه قراءة الجمهور: (بكأس)، وقراءة أبي جعفر: (بكاس من معين) والكأس: الإناء الممتلئ من الشراب، فإذا كان فيه الشراب فهو الكأس، وإذا كان فارغاً فهو الإناء أو الوعاء أو القدح، وإنما ملئ من خمر الجنة، ففي الدنيا من شرب الخمر فإنها تؤذيه؛ لأنها رجس من عمل الشيطان؛ فهي تصرفهم عن الصلاة، وتنهاهم عن المعروف، وتدفعهم إلى المنكر؛ وتقطع أرحامهم، وتذهب أموالهم، وتجعلهم إخوان الشياطين.

قوله: ((مِنْ مَعِينٍ)) المعين: العين الجارية، فخمور أهل الجنة ليست محتاجة لأن توضع في زجاجات أو أوعية، بل هي عيون في الجنة تخرج وتجري بذلك ولا تكدر أبداً، فقال: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الصافات:٤٥] أي: هذا الذي في الكأس من عيون جارية.

قال: {بَيْضَاءَ} [الصافات:٤٦] أي: الشراب الذي في الكأس، فالكئوس بيضاء جميلة، وما فيها من خمور لونها أبيض وجميل.

{لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [الصافات:٤٦] بخلاف خمور الدنيا فهي سوداء وكدرة، أما خمور الجنة فهي بيضاء وهي لذة للشاربين يستمتعون بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) وقال الله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد:١٥].

كل هذه أنهار تجري في الجنة، ولا شيء يكدرها، لا تراب أو زبد، ولكنها تجري فيشرب منها أهل الجنة بكئوسهم، ولا يحرمون في الجنة من شيء أبداً.

قال الله: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} [الصافات:٤٧] الغول: ما يغتال الإنسان فيوجعه ويؤلمه، فالجنة ليس في خمرها غول.

{وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} [الصافات:٤٧] أي: لا يوجد من ورائها أمراض ولا أوجاع ولا أشياء يكرهها شاربها، وهذا تعريض بخمر الدنيا ففيها هذا كله، فالذين يشربون الخمور في الدنيا يعلمون مرارة مذاقها، كما أنه بعد أن يشرب الخمرة يذهب عقله، فيفرط في ماله ويفرط في عرضه ويفرط في دينه ودنياه، ثم يأتي الصداع بعد أن تذهب الخمر ويكثر بوله، أما خمر الجنة فلا وجع فيها ولا ألم ولا قيء ولا بول ولا شيء يزعج من يشربها.

وقوله: {وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} [الصافات:٤٧] قراءة الجمهور على البناء للمفعول أما حمزة والكسائي وخلف فقرءوا: (ولا هم عنها ينزِفون) والمعنى نزف عقل الإنسان بمعنى ذهب، يقال: نزف وأنزف بمعنى ذهب، وأيضاً نزف الشيء بمعنى: فني ونفد، والمعنى: الخمر لا تنفد ولا تنزف منها العقول ولا تنزف عنها العقول، فتظل ثابتة فلا تتغير الأفهام، ولكن العقل ثابت واللذة من شرب الخمر موجودة، والنعيم نعيم مقيم.

وخلاصة المعنى: لا فيها غول وأوجاع ولا شيء يكرهه الذي يشربها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>