للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (قال هل أنتم مطلعون)]

أهل الجنة في نعيمهم العظيم يجعل الله عز وجل لهم ما يريدون فيها، وما يشتهون، وإذا أرادوا أن ينظروا إلى أهل النار جعل لهم ما يمكنهم من ذلك، قال تعالى: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:٥٤]؟ فاطلعوا من شرفات في الجنة على أهل النار فنظروا إلى أهل النار، فقوله تعالى: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} أي: أتريدون أن تنظروا إلى هذا القرين الذي كان يكذب؟ اطلعوا وانظروا ماذا جرى له! قال تعالى: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:٥٥] أي: فاطلع فرآه في قعر الجحيم وفي وسطه، وفي عذاب عظيم أليم، والجحيم: النار المتقدة المضرمة المتأججة، جحمت النار بمعنى: تأججت، واضطرمت، وازداد اشتعالها ولهيبها، ومنه يسمى الجمر، الجحيم، والجاحم، وكذلك الجحمة، والجحمة: عين الأسد؛ لكونه إذا رأى فريسة تحمر عيناه، فهي النار الحمراء المشتعلة المتوقدة الملتهبة، فاطلع فرأى صاحبه {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:٥٥]، قال هذا المؤمن: {تَاللَّهِ} [الصافات:٥٦] أي: بالله، والله {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات:٥٦] أي: كدت لتهلكني، وإن أصلها (إنَّ) المثقلة التي تفيد التحقيق والتأكيد، ولذلك قال هنا: {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات:٥٦]، وجاء باللام الفارقة بين إن التي تفيد التحقيق، وبين إن التي تفيد النفي.

فقوله تعالى: {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات:٥٦] أي: لتهلكني.

قال تعالى: {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي} [الصافات:٥٧] أي: ولولا أن من الله عز وجل علي وعصمني ونجاني من فتنتك ومن غوايتك {لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:٥٧]، كما أحضرت أنت، فكدت أن أكون مثلك أنا أيضاً، والمحضر: الذي جئ به، وغالباً لا تطلق إلا في الشر، يقال: فلان محضر يعني: أتي به لكي يعاقبوه.

فهنا قال: {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:٥٦ - ٥٧] يعني: في هذا العذاب الأليم كما أحضرت أنت وأدخلت في هذه النار.

<<  <  ج:
ص:  >  >>