للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الصافات: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ * وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} [الصافات:٧١ - ٨٣].

لما ذكر الله سبحانه تبارك وتعالى حال أهل الجنة وما متعهم الله عز وجل به في جنات النعيم، وذكر أهل النار وما حدث لهم في جهنم والعياذ بالله، وكيف أنهم تسببوا في ذلك بكفرهم بالله سبحانه، واستكبارهم عن عبادة ربهم سبحانه وتعالى؛ ختم ذلك بقوله: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات:٦٩ - ٧٠].

هذا هو التقليد الذي قلد هؤلاء الجاهليون من سبقهم في كفرهم وفي شركهم بالله سبحانه، واتخاذهم من دون الله أولياء يوالون عليهم، ويعادون في محبتهم، هؤلاء ألفوا آباءهم ضالين، ولم يعملوا عقولهم، ولم يتفكروا فيما جاءت به أنبياؤهم عليهم الصلاة والسلام، فهم على آثار آبائهم يهرعون، فهم وجدوا آباءهم ضالين بعيدين عن الحق تائهين متحيرين متشككين يشركون بالله ويعبدون غيره سبحانه وتعالى واتبعوا الأهواء، واتخذوا الأنداد من دون الله، قال تعالى: {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات:٧٠] والإهراع بمعنى: الاندفاع، فهم مسرعون على آثار الآباء من غير تفكير، يقال: أهرع الرجل وهرع أيضاً الرجل بمعنى: اندفع أو قيد إلى شيء وتلفه إلى هذا الشيء الذي يندفع إليه، فأهرع الرجل بمعنى: خف وجرى، وأسرع وتغير على هيئة فيها رعب، فهو قد هرع إلى ذلك الذي ساقه إلى ذلك الهوى والضلال والشيطان، وهم يهرعون ويستحثون على اتباع الآباء فيما هم فيه من ضلالات، وزين لهم الشيطان أن آباءهم أصحاب عصمة، وأن آباءهم يعرفون كل شيء، وأنهم لا يفهمون إلا ما فهمه الآباء، ولذلك كبر عليهم أن يأتيهم رسول من عند الله عليه الصلاة والسلام، يدعوهم إلى مخالفة ما كان عليه الآباء، فيتعجبون: هل أنت خير أم أبوك؟ يقولون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت العادة عندهم أن يسأل كل واحد منهم الآخر عن ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول هذا الكلام الباطل الذي يريدونه، فكان ينصرف عما يريدون من هذا القول الذي لا معنى له، ويدعوهم إلى الله وإلى كتاب الله، ويحاجهم بالحجة السليمة، والآراء المستقيمة فلا يفهمون، ولا يزالون يتعجبون مما يقول ويقولون: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥].

قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ} [الصافات:٧١] ليس هم الذين ضلوا فقط، ولكن ضل قبلهم أقوام وصدوا عن الهدى، وابتعدوا عن دين الله سبحانه وتعالى، واتخذوا آلهة من دون الله فضلوا وأضلوا غيرهم بأن دعوهم إلى غير الله سبحانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>