للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هجرة إبراهيم عليه السلام من العراق إلى بلاد الشام]

أرادوا بإبراهيم كيداً فجعلهم الله عز وجل الأخسرين، ونجاه من هؤلاء، ولما نجاه الله سبحانه وتعالى من النار ووجد أن هؤلاء القوم لا فائدة فيهم، فكر أن يهاجر من أرض قومه ويخرج إلى شمال العراق، وكان مولده في جنوب العراق فخرج إلى شمالها حتى وصل إلى حران، وهي الآن جزء من تركيا، فهاجر إبراهيم عليه الصلاة والسلام وكان مقصده أن يذهب إلى بلاد الشام، فسافر عبر البحر الأبيض المتوسط حتى نزل بعد ذلك إلى بلاد الشام، فمن بلده من الجنوب إلى الشمال في حران، ثمَّ ينزل في بلاد الشام، ثمَّ يصل إلى مصر ويرجع ثانية إلى بلدة الخليل فيذهب إلى مكة، فكانت رحلته رحلة طويلة جداً وشاقة، وكلها بلاء واختبار ومحن ومنح من الله عز وجل لإبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه.

خرج إبراهيم من بلدته، وخرج معه في هذه الرحلة لوط ابن أخيه، وهو المؤمن الوحيد الذي آمن به، وكان معه امرأته سارة وهي المؤمنة الوحيدة من النساء، وذكروا أن ممن خرج معه أيضاً فاران أخو أبي لوط، وزوجة فاران هي أم لوط، وكانا كافرين ولم يكونا مسلمين، وذكروا أيضاً ممن خرج مع إبراهيم أبوه آزر وكان كافراً، وكأنه خاف على إبراهيم فخرج معه ليس مهاجراً إلى الله، ولكن خوفاً على ابنه، فخرج معه وتوجه إلى حران، وهنالك مات أبوه آزر في حران، ووجد إبراهيم أهل هذه البلدة كفاراً يعبدون الكواكب من دون الله سبحانه وتعالى.

خرج من عند قوم يعبدون الأصنام إلى قوم يعبدون الكواكب من دون الله سبحانه، فناظرهم إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، قال الله عز وجل في سورة الأنعام: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام:٧٦ - ٧٨] أي: مما تعبدون من دون الله، وهنا وجه إبراهيم وجهه لله سبحانه، كما وجه وجهه لله من قبل مع قومه عباد الأصنام حين ناظرهم، وناظر الملك النمرود، وكان يدعي الربوبية والألوهية وغلبه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهاجر إلى أقصى الشام وناظر عباد الكواكب من دون الله فأبهتهم وغلبهم، ثم بعد ذلك تركهم وانصرف إلى بلاد الشام، في رحلة طويلة جداً من تركيا حتى وصل إلى فلسطين ثمَّ الأردن، وهناك في الأردن ذهب لوط عليه الصلاة والسلام إلى عمور وسدوم يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بأمر الله، فكان نبياً من أنبياء الله، وهو ابن أخي إبراهيم، وتوجه إلى هذه البلدة بأمر الله سبحانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>