للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين)

قال تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:١١٢] هذه البشارة الثانية، إذ كانت البشارة الأولى بالغلام الحليم وهو إسماعيل، وجاء الغلام الثاني، وبين الاثنين ثلاث عشرة سنة، فإسماعيل أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة، فكافأ الله عز وجل إبراهيم بأن يكون له ولد من سارة، من زوجته العجوز العقيم التي صارت كبيرة في السن ومثلها لا يلد، فكانت هذه معجزة من الله سبحانه، أن يصير لها الولد، فبشر بإسحاق وأنه سيكون نبياً، ومعلوم أن الأنبياء لا يكونون في سن صغير وهم أطفال، ولكن يكون نبياً عندما يدرك ويبلغ ويكون كبيراً، والعادة في الأنبياء أنهم ينبئون بعد سن الأربعين، إلا عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام نبئ وهو صغير، فكون ربنا سبحانه وتعالى يبشر إبراهيم بإسحاق، وأن إسحاق سيكون نبياً فهذه بشارة بعد بشارة، وهذا ينافي أن الله عز وجل يأمره بذبحه، وهنا في هذه الآيات لما أمر الله عز وجل إبراهيم في الرؤيا أن يذبح ولده، جاء في التوراة وغيرها أنه يذبح بكره، وبكره كان إسماعيل، إذ هو أكبر من إسحاق، فهنا البشارة بأن إسحاق سيكبر وسيصير نبياً وسيكون له العقب بعد ذلك.

قال تعالى: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} [الصافات:١١٣] أي: جعلنا البركة في إبراهيم، وجعلناها أيضاً في إسحاق، يعني: في الذرية الكثيرة؛ لأن ذرية إسحاق منها كل الأنبياء ما عدا نبينا صلوات الله وسلامه عليه، هو وحده من ذرية إسماعيل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

وقال تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا} [الصافات:١١٣] أي: إبراهيم وإسحاق: {مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات:١١٣].

والمعنى: أن الأب قد يكون صالحاً، والأولاد قد يكون فيهم الصالحون وقد لا يكون فيهم ذلك، فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وابنه إسحاق من ذريتهما الأنبياء، ولكن لا يمنع إذا كانت الذرية فيها الأنبياء وهم أفضل خلق الله عليهم الصلاة والسلام أن يكون فيهم غير ذلك ممن يعصون الله سبحانه وتعالى، فمن ذرية إسحاق جاء يعقوب بعد ذلك وجاء الأسباط، وجاء منهم بنو إسرائيل، وعرفنا كيف صنع بنو إسرائيل مع ربهم سبحانه وتعالى، في كثرة تكذيبهم وإعراضهم ومناوشاتهم لأنبيائهم عليهم الصلاة السلام، فهنا يخبرنا ربنا أن من هذه الذرية الصالحون المحسنون، ومنهم المسيئون الظالمون ظلماً بيناً واضحاً، قال الله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤]، وكل إنسان يحمل إثمه معه يوم القيامة؛ ولذلك قام النبي صلى الله عليه وسلم فنادى الناس وعم وخص، دعا القبائل ودعا بني هاشم، وخص من هؤلاء أقرب الناس إليه فاطمة رضي الله عنها، وقال للجميع: (لا أغني عنكم من الله شيئاً، لا أغني عنكم من الله شيئا) فهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول لابنته فاطمة التي هي بضعة منه عليه الصلاة والسلام: (لا أغني عنك من الله شيئاً) فكيف بغيرها؟ فعلى ذلك الإنسان لا ينظر إلى صلاح أبيه، فإن الله تعالى يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤]، فلا هو الذي سيحمل اسمك، ولا أنت الذي ستأخذ فضله، ولكن: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:٣٨].

نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>