للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معنى قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)]

قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الزمر:٧] الوازرة بمعنى: الحاملة للوزر، وهذا وصف للنفس.

والمعنى: أن النفس التي تحمل الإثم لا تحمل إثم نفس أخرى، فلا يأتي يوم القيامة إنسان ويقول: أنا داخل النار فهاتوا ذنوبكم وأنا أحملها عنكم.

فالإنسان يحمل وزره فوق ظهره، ويسأل عن عمله: فإن كان وزره على نفسه حمل إثمه، وإن كان سن للناس السنن السيئة ففعلوا مثلما يفعل حمل إثمه وآثامهم من غير أن ينقص من آثامهم شيء.

وهذا ابن آدم الذي سن للناس القتل يوم أن قتل أخاه، فتأتي كل نفس قاتلة يوم القيامة وتسأل عما فعلت وتحاسب وتعاقب على ذلك، وهو يعاقب عن عمله وفوقه مثل آثام هؤلاء الذين سن لهم ذلك.

وكذلك كل من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.

والعكس في الحسنات، فمن سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من حسناتهم شيء.

وقول الله عز وجل هنا: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الزمر:٧] كأنه يرد على الكفار الذين قال بعضهم لبعض: اتبعونا وسنحمل آثامكم كما قال الله تعالى عنهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت:١٢] وهذا كذب، إذ إنهم يهرفون بما لا يعرفون، ويتكلمون بما لا يفهمون، فمن أمر بالمنكر فعليه إثمه وإثم فعله له.

ثم قال تعالى: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزمر:٧] فالمرجع إلى الله سبحانه، فينبئكم أي: يخبركم سبحانه وتعالى، والإنباء الإخبار بالغيب.

فكل ما يفعله هذا الإنسان مكتوب عند الله في كتاب، ونحن نفعل الذنوب وننساها والله لا ينسى شيئاً أبداً.

فإذا جاء العبد يوم القيامة أراه الله صحيفة عمله وما فيها من الحسنات والسيئات، فيخبرنا بما غاب عنا وبما فعلناه في الدنيا ونسيناه.

ثم قال سبحانه: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الزمر:٧] أي: هو العليم سبحانه بما خفي وما ظهر، والعليم بما دق وما عظم وما جل، والعليم بالقريب والبعيد.

وقد قلنا: خلق الإنسان ويحاسبه؛ ليظهر مقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأنه العليم والقدير وأنه الكبير سبحانه وتعالى.

يجمع الخلق جميعهم من لدن آدم إلى قيام الساعة يوم القيامة ويحاسب الجميع ولا يخفى عليه شيء.

فكم من أبناء آدم يحاسبون يوم القيامة! كم من الجن ومن الشياطين من أبناء إبليس يحاسبون يومئذ! بل إنه عليم بما يختلج في صدر الإنسان مما لا يتكلم به، عليم بالنوايا، عليم بأفعال القلوب فكيف بالأفعال الظاهرة التي يفعلها الإنسان؟!

<<  <  ج:
ص:  >  >>