للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الزمر: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:١٠].

في هذه الآية من سورة الزمر يأمر الله عز وجل عباده المؤمنين بتقوى الله سبحانه تبارك وتعالى فقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [الزمر:١٠] فالمؤمنون هنا يخاطبهم الله عز وجل بذلك، وهم أهل لذلك، والخلق كذلك كلهم مأمورون بأن يتقوا الله سبحانه، وأن يدخلوا في دينه، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [النساء:١]، وهنا يخص المؤمنين ليبين فضلهم وفضيلتهم، فقال: {قُلْ يَا عِبَادِ} [الزمر:١٠] ونسبهم لنفسه سبحانه تبارك وتعالى وأضافهم إليه تشريفاً لهم، أي: يا عبادي أنا، فهم عباد الله سبحانه، وكأن غيرهم ليسوا عباده سبحانه تبارك وتعالى، والمعنى عباده الذين وحدوه، في حين أن غيرهم عبدوا الهوى والشيطان، وعبدوا الطواغيت من دون الله سبحانه.

فعباد الله هم الذين آمنوا وصدقوا بما جاء من عند الله سبحانه، عرفوا ربهم فعبدوه وأخلصوا له الدين، فأمرهم أن يستقيموا على ذلك، وأن يحذروا أن يغضبوه سبحانه تبارك وتعالى.

وقوله: {اتَّقُوا رَبَّكُمُ} أي: اتقوا غضب الله وعقوبته، واتقوا معاصي الله، واتقوا أن تقعوا في الفحشاء وكبائر الذنوب أو صغائرها، كل ذلك يدخل تحت قوله: {اتَّقُوا رَبَّكُمُ}.

ثم وعدهم بفضله وبكرمه سبحانه فقال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} [الزمر:١٠] يجازيهم الله عز وجل في الدنيا قبل الآخرة، فيعطي المحسنين في هذه الدنيا حسنة منه سبحانه، والحسنى عظيمة من الله، فيعطيهم الله عز وجل صحة وعافية، ويعطيهم أموالاً، ويعطيهم من نعمه سبحانه ما شاء.

أعطاهم الإيمان وأعطاهم من فضله حسنة في الدنيا، فإذا أعطاهم في الدنيا فهي بشارة في الآخرة من أن لهم فوق ذلك بشرط الإيمان، أما الكافر فيعطيه الله عز وجل في الدنيا حتى لا يكون له عند الله عز وجل شيء، ويوم القيامة يوفيه جزاءه وعقابه وحسابه بما قدمت يداه، فكأن العطاء في الدنيا يكون حسنة لهذا المؤمن.

أما الإنسان الكافر فيعطيه الله سبحانه تبارك وتعالى في الدنيا استدراجاً له، ويعطيه حتى لا يكون له عند الله شيء، قد يفعل الكافر الشيء الذي فيه إحسان كأن يحسن إلى إنسان فيتصدق عليه، وينفع إنساناً آخر، فيفعل شيئاً من الخير، فإذا فعل جازاه الله في الدنيا، وأعطاه صحة وعافية ومالاً وولداً، وأعطاه من الدنيا حتى لا يكون له عند الله شيء.

فإذا جاء يوم القيامة وجد هذا الذي قدمه في الدنيا هباءً منثوراً، فقد جوزي عليه في الدنيا فليس له عند الله شيء، فيوم القيامة يعذبه الله سبحانه على كفره وجحوده وإشراكه بالله سبحانه تبارك وتعالى، فالمؤمن يأخذ الحسنة في الدنيا من فضل الله، وله يوم القيامة الجزاء الحسن.

<<  <  ج:
ص:  >  >>