للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأمر بالهجرة عند اشتداد الأذى]

قال سبحانه: {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} [الزمر:١٠] هذه إشارة إلى الهجرة؛ لأن السورة كما ذكرنا سورة مكية، وجاءت والمؤمنون في شدة وصعوبة من العيش، وفي أذى شديد من الكفار، فالله عز وجل يشير للمؤمن إشارة إلى أن يهاجر، فأرض الله واسعة، اخرجوا من هذه الأرض إلى أرض أخرى تعبدون الله فيها، فخرجوا وهاجروا إلى الحبشة بعد خمس سنوات من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهم، فهاجروا إلى الحبشة الهجرة الأولى، ثم هاجروا مرة ثانية إلى الحبشة، ثم بعد ذلك كانت الهجرة إلى المدينة، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم.

فهذه إشارة لكل المؤمنين في كل زمان، فأرض الله واسعة، فما الذي يجعلكم تمكثون في أرض تفتنون فيها؟! فإذا كان المؤمن في أرض يجبر فيها على أن يكفر بالله سبحانه، وعلى أن يواقع الفواحش وما يغضب الله، فإن الله يأمره أن يهاجر {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء:٩٧]، فليس للإنسان عذر أن يقول: كنت مستضعفاً طالما أنه لا يتمكن من إقامة دينه، ولا يتمكن من عبادة الله وتوحيده في المكان الذي هو فيه، فيجبر على الكفر بالله وعلى ارتكاب الفواحش، فليس له عذر أن يقول: أنا مستضعف فيها، هاجر من هذا المكان واذهب إلى مكان آخر، خذ بالأسباب حتى ينجيك الله سبحانه تبارك وتعالى في الدنيا والآخرة.

الذي يمكث في أرض فيها الفتنة فيترك الصلاة والصوم وعبادة الله، ويقول: أنا مستضعف، ليس له عذر عند الله عز وجل، ليس لك عذر في ترك الصلاة ولا ممارسة الفواحش، قال صلى الله عليه وسلم: (من وجد منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، إذا وجد منكراً هل ينكر بأن يفعل هو هذا المنكر ويقع فيه ثم يدعي أنه مستضعف في الأرض؟ لا، ليس له عذر في أن يترك صلاته وعبادته ويقول: أنا مثلي مثل الناس، وهذا مثل بعض الناس الذين يذهبون إلى بلاد الكفر فيؤذيهم أهل الكفر، وتجد المرأة في هذه البلاد كانت محجبة ومنقبة فتخلع حجابها ونقابها وتمشي بين الناس كاشفة الرأس وتقول: أنا مستضعفة! من الذي ألزمك أن تكوني بين الكفار وفي ديارهم ثم تقولين: إنني مستضعفة؟! وكذلك الرجل يقول: لو رأوني أصلي طردوني من العمل، لا ما أصلي في هذا المكان، هل عذرك أنك تترك صلاة لله سبحانه تبارك وتعالى بدعوى أنك تعمل في بلاد الكفار؟! ويقول: أنا مضطر في طبخ الخنزير وتجهيز الخمر! فما هو عذره في هذه الأشياء؟! ليس له عذر فيها، ولا يجوز له أن يمكث في ديار يفتن فيها في دينه، لم يعذره الله سبحانه تبارك وتعالى، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} [النساء:٩٧] يعني: ما الذي جعلكم ترتكبون المعاصي وتمكثون في هذه الأماكن التي فيها الفواحش؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض، {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:٩٧].

واستثنى الله سبحانه فقال: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} [النساء:٩٨]، فهنا عذر الله سبحانه تبارك وتعالى الإنسان الضعيف الذي حاول وأراد أن يخرج من بلاد الكفر، فأسروه وحبسوه وأجبروه، فهذا الذي استضعف لا يستطيع حيلة ولا يجد وسيلة للهرب، فهذا هو المضطر اضطراراً حقيقياً، أما الإنسان الذي يزعم أنه ليس قادراً على السفر، فنقول: جرب واعزم على السفر، فإذا لم تستطع كان لك العذر عند الله سبحانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>