للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معنى قوله تعالى: (تجري من تحتها الأنهار)]

قال تعالى: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا} [الزمر:٢٠] أي في أرضها ومن تحت أشجارها، فتجري أنهار الماء الذي لا يأسن أبداً، والذي لا ينتن، فماء الدنيا ينتن لو وقف، لذلك يحتاج أن يجري ويصب في البحر ثم يتبخر ثم يرجع إلى أصله وينزل من السماء على أعالي الأرض ويجري، فبجريان الماء لا يتعفن، أما ماء الجنة فلا يحتاج إلى ذلك فهو غير آسن، لا يأسن أبداً ولا يتكدر ولا يعتليه ما يعتلي ماء الدنيا من قذر ونحوه، يجري في أرض الجنة ومع ذلك لا يحدث له شيء من الكدورة ولا يتعفن لا يأسن.

قال تعالى: {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد:١٥]، فلبن الدنيا يتغير، والأبحاث تقول: إنه في كل ساعة يتغير اللبن من حال إلى حال، يعتليه من آفات، ويعتليه من حرارة ومن برودة، فلبن الدنيا من الأشياء التي لا يستقيم بقاؤها على حال واحد إلى أن ينتن مع مضي الساعات عليه، لكن لبن الجنة لبن عظيم لا يتغير أبداً، مهما بقي، وهو في أنهار يجري أمام أهل الجنة يشربون منه ما يشاءون ولا يتغير عليهم أبداً.

قال تعالى: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد:١٥]، {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ} [الواقعة:١٩]، لا يعتريهم ما يعتري الناس الذين يشربون الخمور من صداع ومن نزيف للعقول في الدنيا، فأهل الجنة لا تذهب عقولهم أبداً ولا يصدعون، ولا تغتالهم خمر الجنة، فهي لا تشبه خمر الدنيا إلا في الاسم فقط، ولكنها أعظم وأحلى وأجمل، ولا غول فيها ولا تعب من ورائها ولا صداع فيها ولا ألم فيها، فهي نعيم لأهل الجنة.

قال تعالى: {وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد:١٥] عسل الدنيا مهما بلغ أعلى الحلاوة وأجمل الطعم فالإنسان لو أكل منه كثيراً يجزع منه، أما عسل الجنة لا جزع فيه أبداً، عسل صاف لا كدورة فيه، ولا شوائب فيه، فأنهار من لبن وأنهار من ماء وأنهار من عسل وأنهار من خمر تجري من تحت أشجار الجنة فيتمتع الإنسان المؤمن في جنة الخلود، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها.

وهذا وعد الله، قال تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ} [الزمر:٢٠] أي: وعدكم الله وعداً فهو مصدر لفعل محذوف تأكيداً من الله عز وجل أن هذا وعد أكيد من رب العالمين.

قال تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [الزمر:٢٠] وعد للفريقين لأهل الجنة ولأهل النار، فأهل النار في الجحيم وفي العذاب المقيم، وأهل الجنة في النعيم وفي هذه الأنهار والعيون وفي الطعام والشراب الذي يمتعون به في الجنة، فوعد هؤلاء ووعد هؤلاء ولا يخلف الله الميعاد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>