للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

معنى قوله تعالى: (كتاباً متشابهاً مثاني)

وقوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر:٢٣] يعني: لا يوجد في القرآن تفاضل بين الآيات والسور، وأن هذه السورة أجمل من الأخرى، فالقرآن يشبه بعضه بعضاً في بلاغته وفصاحته ودقته وإحكامه وصدقه، فهو كله كلام عظيم يشبه بعضه بعضاً.

وقوله تعالى: {مَثَانِيَ} [الزمر:٢٣] أي: من التثنية وهي التكرار، فقد كرر الله سبحانه تبارك وتعالى فيه المواعظ، فيذكر موعظة في سورة ثم يذكرها في سورة أخرى، ويذكر قصة موسى في سورة ثم يذكرها في سورة أخرى ولا تمل من سماع ذلك ومن قراءته، وكله فيه تكرار فلا يمل من سماعه، بل يستفاد من كل موضع فيه مما أراد الله سبحانه تبارك وتعالى أن يبينه فهو كتاب متشابه وهو كتاب مثاني.

وذكر الله القرآن ووصفه بأنه محكم، قال تعالى {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:١]، فالقرآن كله محكم أي: متقن، وكله متشابه أي: يشبه بعضه بعضاً في الروعة وفي الجمال وفي الإتقان، وذكر بأنه محكم ومتشابه، قال تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:٧]، إذاً القرآن كله محكم أي: متقن ومتشابه أي: يشبه بعضه بعضاً في الإحكام وفي الفصاحة وفي البلاغة، ولا يختلف اثنان في فهم الآيات ومنه ما أراد الله سبحانه أن يجعل فيه شيئاً يشتبه على من لا يفهم هذا القرآن حتى يعلم الإنسان أن فوق كل ذي علم عليم، قال تعالى: {قل هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٩]، فهل يستوي العالم مع الجاهل؟ فالجاهل يرجع لأهل العلم فيقول: ماذا أراد الله بالآية الفلانية؟ وما معنى ذلك؟ إذاً: الآيات المتشابهات معناها قد يشكل على الإنسان أن يفهم هذا الشيء فيقول الذين لا يفهمون لأهل العلم: ماذا أراد الله بهذا مثلاً؟ فأهل العلم يبينون لهم معنى ذلك فيرتفع الإشكال عن الذي لا يفهمون، فهي حكمة من الله سبحانه تبارك وتعالى أن يظهر فضل أهل العلم، وأنه لا يستوي الجميع.

والقرآن كتاب عظيم، وكل من يقرأ القرآن يفهمه، ولكن فهم هذا غير فهم هذا غير فهم هذا، فيفهم الفقيه أحكاماً معينة لدقة فهمه، ويستوعب مسائل لا يفهمها غيره، والعالم الأصولي يفهم أصوليات وكليات لا يفهمها غيره من الناس، والإنسان الذي يقرأ في التاريخ ينظر في تاريخ وقصص الأنبياء ويعرف منها ويجمع فيها ما لم يعرفه غيره، ففوق كل ذي علم عليم، فالله فوق الجميع سبحانه تبارك وتعالى، فيريهم بهذه المنازل أن هذا القرآن نزل من عند العليم الخبير سبحانه تبارك وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>