للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون)]

ثم يقول الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠].

فربنا هدى المؤمنين وسيموتون بعد ذلك ويدخلون الجنة، فهم لن يعمروا في هذه الدنيا، كما قال تعالى: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ))، فالإنسان المؤمن يعيش في هذه الدنيا، وهو يعرف أنه سيموت يوماً من الأيام، كما قال تعالى: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ) وميت معناه: الشيء الذي هو حي الآن فإنه متوقع له ذلك.

بخلاف: (ميْت) بالتخفيف، فإن معناه: أنه قد مات، وبخلاف مائت الذي هو وصف للإنسان الذي يموت، فهو مائت.

وميت صفة مشبهة باسم الفاعل، بمعنى: أنه الآن حي وسيأتي عليه الموت بعد ذلك.

ولذلك يقول هنا للنبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ)) أي: حي الآن لكن توقع الموت، ولابد أن يأتي عليك هذا الموت.

((إِنَّكَ مَيِّتٌ)) وهم أيضاً سيموتون: ((وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)).

وسورة الزمر سورة مكية، وقد قال الله عز وجل فيها للنبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ))، وهو في مكة.

ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم كأن المسلمين نسوا هذه الآية وما عرفوها، فلم يستحضروها، حتى عمر رضي الله عنه بدأ يخلط في الكلام من شدة وقع هذا الأمر على نفسه، وكان يقول: ما مات! وإنما هي أربعون يوماً، وسيرجع لكم مرة أخرى، فجاء بشيء ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا قاله أحد قبل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قال هذا مع شدة الاندهاش والتحير من وقع المصيبة عليهم، فبدءوا يتكلمون بكلام لا يفهم، حتى ثبتهم الله الكريم سبحانه بـ أبي بكر رضي الله عنه، فتلا عليهم هذه الآية، والآية الأخرى، فقال للناس: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران:١٤٤].

فذكر لهم هذه الآية، وهي في سورة آل عمران، وهي سورة مدنية، وهذه السورة سورة مكية.

فقد ذكر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في القرآن المكي: أنك ميت، وفي القرآن المدني كذلك، ومع ذلك نسي المسلمون المدني والمكي من شدة الدهشة التي نزلت عليهم بموته صلى الله عليه وسلم، وعظيم المصيبة التي أصابتهم، فنسوا حتى ذكرهم أبو بكر، فكأنها لم تنزل إلا في هذا الحين.

قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ)) وهم أيضاً جميعاً مسلمون وكفار سيموتون، ((وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)).

<<  <  ج:
ص:  >  >>