للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعملون)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد: قال الله عز وجل في سورة الزمر: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ * إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ * اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر:٣٩ - ٤٢].

يخبرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات وما قبلها عن قدرته العظيمة سبحانه وتعالى في الخلق وفي الإحياء وفي الإماتة، ويدل عباده على أنه وحده الذي بيده مقاليد كل شيء، بيده الخير، يرسل لمن يشاء ويمسك عمن يشاء سبحانه وتعالى، فما أرسل فلا أحد يقدر أن يمنعه، وما أمسك فلا أحد يقدر أن يرسله، فبيده الخير وحده لا شريك له، والذين يدعون من دون الله سبحانه {َلا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا} [الفرقان:٣]، فقال الله سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:٢٥]، لقد أقر المشركون أن الذي خلق السموات والأرض هو الله سبحانه وتعالى، فقال لهم: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الزمر:٣٨] أي أخبروني عن هؤلاء الذين عبدتموهم من دون الله، من الأصنام والأوثان والأحجار، هل تملك مع الله سبحانه وتعالى في ملكه شيئاً؟ {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} [الزمر:٣٨] أي: إذا أراد الله عز وجل أن يبتلي العبد ببلاء من عنده، أو بمصيبة من المصائب هل تقدر هذه الأصنام أن تكشف هذه المصيبة عن هذا العبد؟ {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} [الزمر:٣٨]،

و

الجواب

لا تقدر الأصنام على ذلك، إنها لا تملك لنفسها شيئاً ولا لغيرها شيئاً، فكيف تنفع وتضر مع الله سبحانه وتعالى؟ قل لهؤلاء: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} [الزمر:٣٨] أي: يكفيني طالما أنكم اعترفتم أن هذه الأصنام لا تلمك لنفسها ولا لغيرها شيئاً، فلا أعبد ما تعبدون من دون الله، يكفيني أن أعبد الله سبحانه وتعالى، فهو يكفيني وهو الذي يدفع عني ويحميني، وهو الذي أعبده وأتوجه إليه وحده لا شريك له.

{حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر:٣٨] أي: إنني أتوكل على الله مع المتوكلين عليه، فهو الذي يرزقني، وهو الذي يعطيني، وهو الذي يمنحني من فضله سبحانه ومن رحمته.

يقول سبحانه: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الزمر:٣٨]، يقول لهؤلاء مخاطباً عقولهم: أفرأيتم هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله، وهم يعرفون تماماً أنهم هم الذين صنعوها بأيديهم، ومع ذلك عبدوها من دون الله سبحانه، فيقول: أخبروني عن هؤلاء؟ ما الذي تملكه؟ وما الذي نفعتكم به حتى عبدتموها من دون الله سبحانه، وحتى أصررتم على ذلك؟ هم لا يجاوبون بالعقل، وإنما

الجواب

{ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:٢٢]، {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:٢٣]! يضحك عليهم الشيطان، ويخدعهم بمثل ذلك، حتى إن أحدهم يقول: أبي أعلم مني، وأبي كان يفعل ذلك، فأنا أفعل كما فعل أبي! فالله سبحانه يعجب الخلق من هؤلاء، أين عقول هؤلاء حين عبدوا هذه الأصنام؟!

<<  <  ج:
ص:  >  >>