للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المبادرة بالتوبة قبل الندم]

قال الله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر:٥٥] أي: حتى لا تندموا يوم القيامة، {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:٥٦] فإذا سخر الإنسان في الدنيا وضحك ولعب فإنما يسخر من نفسه، ويوم القيامة يعرف عقوبة ذلك وعاقبته، فلذلك يقول الله لنا: احذروا أن تقول نفس يوم القيامة: {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:٥٦] أي: كنت أسخر من نفسي وأضحك عليها، لقد خدعتها وغبنتها، يقول الله سبحانه: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن:٩] أي: يوم القيامة.

قال الله تعالى: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر:٥٧] (لو) في الدنيا تفتح عمل الشيطان، وفي الآخرة كلمة الحسرة يوم القيامة، فيفكر الإنسان كيف يخرج من النار؟ ويتمنى أنه عمل الصالحات، ويتحسر على ما فرط في هذه الدنيا، والدنيا مرة واحدة فقط، لن تكرر مرة أخرى.

فالإنسان الذي جعله الله عز وجل يعمر هذا الكون أخبره أن الدنيا حياة واحدة، وأن الحياة الأخرى يوم القيامة، والخلود إما في الجنة وإما في النار، فالإنسان لما يجد ما قدمه حسنات يفرح ويقول: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:١٩ - ٢٠] أي: أنا علمت في الدنيا أن الله سيحاسبني يوم القيامة فقدمت وعملت لهذا اليوم.

قال الله عز وجل: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:٢١ - ٢٤] فالمؤمن يوم القيامة يخلد في الجنة فلا يموت، قال الله تعالى: {لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:٦٢] والفاجر والكافر إذا وجد كتابه أخذه بيده الشمال من وراء ظهره، قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} [الحاقة:٢٥ - ٢٦]، وهنا يذكر الله عز وجل أنه يقول: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:٥٨] أي: ياليتني أرجع مرةً أخرى إلى الدنيا، فأحسن أفضل الإحسان، فهذا ما يتمناه العبد يوم القيامة، وفي وقت يقال للناس: لا رجوع لكم، فقد عمرناكم في الدنيا فلم تعملوا ولم تستجيبوا، فالله يخبرنا عن هذا الموقف الذي يكون يوم القيامة، وما يكون فيه من الكافرين والعصاة حين يتحسرون ويبكون على أنفسهم في وقت لا ينفع فيه الندم، ويطلبون الاستدراك في وقت العدم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>