للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه)]

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة غافر: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ * وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} [غافر:٢٨ - ٣٤].

عندما ذكر الله سبحانه وتعالى أن مؤمن آل فرعون دافع عن موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام عندما غضب فرعون من موسى وأراد قتله، قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:٢٦]، فتعوذ موسى بربه، ولجأ إليه، واعتصم به سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} [غافر:٢٧] فانبرى هذا الرجل المؤمن، وهو من قوم فرعون، أي: من أقباط مصر، وليس من قوم موسى، أي: ليس من بني إسرائيل، وكأن الرجل له مركز بحيث إنه يكلم فرعون ويكلم من معه وينصحهم، فقام هذا الرجل المؤمن، وكان يكتم إيمانه حتى أظهره بعد ذلك، فقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر:٢٨]، أي: أتحاسبون موسى -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- على ما يتكلم به ولم يجرم في حقكم؟ فهل قوله: ربي الله يعتبر جريمة يستحق عليها أن يقتل؟ وليس فقط يقول هذا، ولكنه جاءكم ببينات وبأشياء تدل دلالة واضحة على صدقه فيما يقول، قال تعالى: {وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} [غافر:٢٨] أي: لنفرض أنه كاذب فهو يتحمل هذا الكذب، ولكن لو كان صادقاً فماذا يكون الأمر؟ قال تعالى: {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر:٢٨] فإذا كان صادقاً فوافقتموه واتبعتموه أصابكم الذي يعدكم من بركات السماء والأرض، وأصابكم وعد الله سبحانه بأن يدخلكم جنات النعيم في الآخرة، وإن لم تتبعوه أصابكم بعض الذي يعدكم من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة.

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر:٢٨] المسرف: هو من أسرف على نفسه بالمعاصي، والكذاب: هو الذي يكذب على الخلق ويكذب على الخالق سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>