للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة غافر: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:٥١].

لما ذكر الله سبحانه وتعالى ما آل إليه حال فرعون ومن معه، فصاروا من أهل النار، قال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [غافر:٤٦] يقال: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦]، ذكر الله سبحانه نصره لعباده المؤمنين، فقال: ((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)) فهذا وعد من الله، ووعد الله حق، {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:٩].

قال تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا) أي: حق على الله أن ينصر رسله سبحانه، ولم يقل: رسلنا فقط، وإنما قال: (رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا)، فالنصر من الله عز وجل آت لعباده المؤمنين.

وقد يتأخر النصر، كما قال سبحانه: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:١١٠]، أصابهم اليأس من إيمان قومهم، {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف:١١٠]، أي: ظن الرسل ووصل ظنهم إلى درجة عالية بأن هؤلاء القوم لن يؤمنوا ولن يفلحوا ولن يأتي منهم خير، وليس فيهم رجاء.

فظنت الرسل أن قومهم قد كذبوا بالله سبحانه، وكذبوا بآيات الله سبحانه وتعالى، وظن أتباع الرسل من المؤمنين أن الرسل قد كذبوا، وأخلفوا الميعاد وتوهموا ذلك، فإذا بالرسل يقعون في ضيق شديد، يظنون أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا من قومهم، وظن أتباعهم أنهم توهموا بإتيان النصر مع أن النصر لما يأت، فدخلهم الشك، أما الرسل فلا تدخل قلوبهم أبداً الريبة أو الشك، وفي هذا الوقت الشديد وقت اليأس جاء نصر الله سبحانه وتعالى، فعندما تضيق الدنيا على الإنسان المؤمن يأتي الفرج، قال تعالى: ((جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ)) أي: أن الله عز وجل ينجي بعظمته وبقدرته من يشاء سبحانه وتعالى من عباده المؤمنين.

وهذا لا يعني أن كل المؤمنين الذين هم على الحق سيكونون من المنتصرين، ومن الذين ينجيهم الله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا، ولكن الوعد الحق أننا ننصر ديننا مع هؤلاء الرسل بنجاة من نشاء من المؤمنين، وبهلاك من نشاء من عبادنا من الصالحين في الدنيا، ثم يوم القيامة ننصر جميع المؤمنين على أعدائهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>