للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس)]

قال الله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر:٥٧]، هؤلاء الذين يجادلون في الله سبحانه وتعالى ذكرهم الله في هذه السورة مرتين، فقال: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر:٥٦]، وقال قبل ذلك {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:٣٥]، فقوله: (كَبُرَ)، أي: تعاظم هذا الشيء، فهو شيء يغضب الله سبحانه وتعالى، وهو شيء بغيض عند الله عظم في مقته وفي كراهته، وهو الجدال بالباطل.

ولهذا قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:٥٧]، يقول لهم ذلك لأنهم كانوا يجادلون في ذلك، ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [الرعد:٥]، أي: هل نرجع مرة أخرى بعدما نكون تراباً، فقالوا: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون:٣٦]، {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:٢٤]، قال الله سبحانه: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية:٢٤].

ظن كاذب وتخرص باطل على الله سبحانه وتعالى بما يزعمونه، فقال: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ} [غافر:٥٦]، فالكبر يدفعهم بأن يجادلوا بالباطل وأن يدفعوا الحق الذي معك فيرفضوك، فقال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:٥٧]، أي: هؤلاء المتعجبون من كيفية إعادة الله لهم لا ينظرون إلى كيفية خلق السماوات، وكيفية خلق الأرض، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:٤١]، أي: ما أمسكهما من أحد من بعده، {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر:٤١]، سبحانه وتعالى.

وقال تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:١٧ - ٢١]، هذا الذي عليك، قال تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ} [المائدة:٩٩]، صلوات الله وسلامه عليه.

فقوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:٥٧]، أي: خلق السماوات والأرض أكبر وأعظم من خلق الناس، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر:٥٧]، أي: لم يتفكروا في ذلك، وقد قال الله سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:١٩٠]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنزلت علي آيات الليلة ويل لمن قرأها فلم يتفكر فيها)، وهي هذه الآيات العشر من آخر سورة آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:١٩٠ - ١٩١] إلى آخر السورة.

فيتفكر المؤمنون في خلق السماوات وفي خلق الأرض، يتفكرون في هذه الأشياء العظيمة التي خلقها الله سبحانه، وكلما نظروا إلى السماوات وإلى الشمس وإلى القمر وإلى النجوم وإلى هذه الأعداد الهائلة من الأجرام التي خلقها الله سبحانه وتعالى قالوا: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ} [آل عمران:١٩١]، أي: تعاليت وتنزهت يا ربنا أن تخلق شيئاً باطلاً {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:١٩١].

<<  <  ج:
ص:  >  >>