للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله)]

قال الله سبحانه: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج:٣٦] البدن: جعلها الله عز وجل من الشعائر، والبدن من التبدين، وكأن البدن مأخوذ من البدانة، وهي تطلق على الإبل، وكذلك تطلق تجوزاً على البقر، يقال: بدن الرجل إذا سمن، ويقال: بدَّن الرجل إذا كبر في السن، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني قد بدنت) يعني: كبرت في السن، وقد قال ذلك وهو في سن الستين عليه الصلاة والسلام، فكان في الصلاة ينزل ببطء ويقوم ببطء، فقال للناس: (إني قد بدنت فلا تسبقوني بالركوع والسجود) أي: راعوا عند نزولي فلا تنزلوا قبلي؛ ولذا يجب على المصلي ألا يسبق الإمام بركوع ولا بسجود، ولا يزعم أنه بذلك خاشع لله سبحانه تبارك وتعالى، وكان الصحابة ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم حتى يضع جبهته على الأرض في السجود فيهوون في السجود، فلا ينزل أحدهم قبل النبي صلوات الله وسلامه عليه، فمن الخطأ الذي يقع فيه كثير من إخواننا أنه لا يراعي الإمام الذي يكون ضعيفاً في نزوله أو في قيامه، فترى المأموم يسجد على الأرض والإمام ما قد سجد، فلا تكن مسابقاً للإمام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار)، وكذلك لا ترفع بصرك إلى السماء، ولا تسبق الإمام في الرفع ولا في السجود، ولكن كن بعد الإمام، وأيضاً لا تتخلف عن الإمام كثيراً، فهذا كله من الخطأ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كبر فكبروا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا) فالفاء هنا للترتيب والتعقيب، فإذا سجد الإمام فاسجد بعده مباشرة، وإذا رفع ترفع بعده مباشرة، وإذا سلم سلم بعده بلا تأخير، فأنت في صلاة الجماعة مع إمام ولست وحدك، وإذا صليت وحدك فأطل ما شئت، لكن وأنت مع الإمام فلا تخالف الإمام في ركوع، ولا في سجود.

قلنا: البدن تطلق على الإبل، وقد تطلق على البقر، فهذه البدن جعلها الله عز وجل من شعائر الله.

قال: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج:٣٦] يعني: بهيمة الأنعام لكم فيها خير، فالإبل تركبونها، وتأخذون من ألبانها، وتأخذون من أوبارها، وتنحرونها لله سبحانه.

قال: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج:٣٦] يعني: منافع دينية ودنيوية، {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج:٣٦] الأصل في البدن أنها الإبل، فذكر كيفية نحرها، فقال: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج:٣٦] فينحر الجمل وهو قائم، والبقر والغنم تذبح مضجعة على الجانب الأيسر، وأنت تمسك السكين بيمينك وتذبحها، لكن الإبل تنحر قائمة، هذه هي السنة فيها، والنحر هو الطعن بنصل في اللبة يعني: في أسفل رقبة الجمل، وهذه الطعنة تقطع عروق القلب وقد تصل إلى القلب نفسه، فيسرع إزهاق الروح بذلك، وأما الذبح فيقطع العروق التي في الرقبة، وهي عروق القلب، ويقطع الحلقوم والمريء والودجين اللذين في جانبي الرقبة.

إذاً: السنة في الإبل النحر وهي قائمة واقفة صواف كما ذكر الله عز وجل، {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج:٣٦] بمعنى: وهي قائمة على ثلاثة قوائم معقولة اليد اليسرى، فإذا أراد نحر الجمل يثني يده اليسرى ويربطها، فيقف على رجلين واليد اليمنى، فإذا طعنه لا يتحرك الجمل، ويسقط على جنبه.

قال الله: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج:٣٦] اذكروا اسم الله يعني: تسمون الله سبحانه تبارك وتعالى، أو تذكر اسمه فتقول: باسم الله أو تقول: الله أكبر، فتذكر الله عز وجل وأنت تنحر الجمل، وكذلك وأنت تذبح البقر.

وفي صحيح مسلم أن ابن عمر أتى على رجل وهو ينحر بدنته باركة يعني: معه ناقة ينحرها وهي باركة فقال: (ابعثها قياماً مقيدة سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم) وكان ابن عمر يفعل ذلك رضي الله عنه، فعندما كان في شبابه وقوته كان يأخذ الحربة بيده فينحرها في لبتها، فلما أسن عبد الله بن عمر كان يصعب عليه ذلك، بسبب أنه ضعف لكبر سنه، فكان ينيخ الجمل وينحره وهو قاعد.

والنحر أو الذبح للأضحية أو الهدي لا يكون إلا بعد طلوع الشمس من يوم العيد، ولا يجوز قبل طلوع الشمس بإجماع العلماء في الأضحية.

والأضحية لا تكون إلا بعد صلاة العيد.

قال الله سبحانه: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج:٣٦] أي: إذا سقطت على الأرض تأكل منها، قال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:٣٦] (فكلوا منها) هذا أمر من الله عز وجل، وحمله جماهير العلماء على الاستحباب، فيستحب أن تأكل منها، وأن تطعم منها.

والقانع: هو الذي قنع بالسؤال، يعني: يمد يده ويسأل، والمعتر: هو الذي يعتريك ويمر بك لتراه فتعطيه على وجه الهدية، ومن هنا أخذ العلماء أنك تطعم البائس الفقير ثلثاً، وتهدي للذي لا يسأل ثلثاً، وثلث تأكل أنت منه، فتقسمها أثلاثاً، وما هو شرط أن تكون أثلاثاً متساوية.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>