للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية]

هذه الآيات تقرر لنا معنى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيه} [غافر:٦١]، ولاحظ أنه قبل ذلك أمر العباد أن يدعوا ربهم سبحانه وتعالى فقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ} [غافر:٦٠]، أي: ربكم الذي هو الله سبحانه: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيه وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [غافر:٦١].

فذكر آية من آياته سبحانه وتعالى الكل يحتاج إليها وهي الليل والنهار، وقال: الذي خلق لكم ذلك هو الله سبحانه، والذي صير لكم النهار مبصراً وجعل الليل مظلماً هو الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ} [غافر:٦١] أي: خلق لكم الليل من أجل أن تسكنوا فيه، وجعل لكم النهار مبصراً، أي: تبصرون فيه، {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * ذَلِكُمُ} [غافر:٦١ - ٦٢].

أي: الخالق العظيم هو الله وهو الرب وحده سبحانه، وهو الإله الذي تعبدونه وحده دون سواه، قال جل في علاه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [غافر:٦٢].

فقوله تعالى: (كُلِّ شَيْءٍ) أي: كل ما يطلق عليه أنه شيء فالله عز وجل خالقه سبحانه، وقوله: (لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) أي: لا إله إلا الله، وهي كلمة عظيمة تعني: إفراد العبادة لله وحده سبحانه؛ ولذلك فإن هذه الكلمة تمد عند علماء التجويد والقراء حتى عند من يقصر منهم المد المنفصل، ويقول: هذا من باب مد التعظيم، أي: التعظيم للخالق سبحانه وتعالى، فكلمة (لا إله إلا الله) لا بد أن تملأ قلبك وصدرك وفمك بأن تقر أنه الإله وحده لا شريك له، والذي لا يعبد سواه، لا إله إلا هو سبحانه وتعالى.

قال تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)، فقوله: (فأنى تؤفكون) أي: إلى أين تذهبون؟ وكيف ترون هذه الآيات العظيمة وهذا الإعجاز الذي ترونه من ربكم سبحانه ثم تنصرفون عن الاعتبار بالآيات وعن توحيده سبحانه؟! قال تعالى: (كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)، أي: كل من عرف الحق فأنكر بعد المعرفة استحق أن يطبع الله على قلبه، وأن يؤفك أي: أن يصرف عن الحق إلى الباطل، فقوله تعالى: (كَذَلِكَ يُؤْفَكُ) أي: يصرف عن توحيد الله بالختم على قلبه، والطبع لكل من يجحد بآيات الله سبحانه، ولذلك فالإنسان الذي يعلم ثم يجحد بعد علمه، أو يتكلم بالباطل بعد أن عرف الحق يستحق أن يطبع الله على قلبه فيكون من الغافلين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>