للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أطوار خلق الإنسان كما في السنة]

ومما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في خلق الإنسان ما جاء في الصحيحين البخاري ومسلم، ففي رواية البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات، فيقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)، هذا الحديث في رواية الإمام البخاري كما قلنا، وفيه: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً)، فكأن جمع خلق الإنسان في بطن الأم يكون خلال أربعين يوماً يتكون فيها هذا الإنسان.

(ثم يكون علقة مثل ذلك)، أي: مثلما جمع الخلق في بطن الأم في خلال الأربعين فإن تكون النطفة والعلقة والمضغة وتكون الإنسان يكون في خلال هذه الفترة.

وفي لفظ لـ مسلم أوضح قليلاً من لفظ البخاري يقول: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون في ذلك)، أي: في خلال الأربعين (علقة مثل ذلك)، يعني: مثلما كان نطفة فإنه يتكون ويتشكل ويصبح علقة مثل ذلك، (ثم يكون في ذلك)، أي: في نفس الأربعين (مضغة مثل ذلك).

وأكثر من فسر هذا الحديث فسره بأنه يكون نطفة أربعين يوماً، ثم يكون علقة أربعين أخرى، ثم يكون مضغة أربعين أخرى، فيكون المجموع مائة وعشرين يوماً، وهذا خطأ، فإن لفظ الحديث وإن كان محتملاً ذلك في البخاري إلا أنه غير محتمل لذلك في مسلم، فهو يقول في مسلم: يجمع خلقه أربعين ويكون في ذلك مثل ذلك، أي: في خلال هذه الأربعين يكون مثل ذلك مضغة، أي: أنه يكون نطفة وفي خلال هذه الأربعين يتشكل ويتحول إلى علقة، ثم يتشكل ويتحول إلى مضغة في نفس هذه الأربعين، إلى أن يتشكل إنساناً، ولكن نفخ الروح لا يكون إلا بعد الأربعين الثالثة، وإن كان فيه قبل ذلك حياة من نوع آخر، وهي كما يقولون: إما حياة نباتية أو حياة حيوانية.

والحياة النباتية: هي الحركة والنمو، أي: مثلما يتحرك النبات، فإنه يكون بذرة، ثم تنشق هذه البذرة ويخرج منها الساق، ثم تكبر حتى تصير شجرة.

وكذلك الإنسان ينمو داخل بطن أمه كهذه الحياة النباتية إلى أن يمر عليه الأربعة الأشهر فينفخ فيه الروح بعد ذلك، فتتحول حياته إلى نوع آخر من الحياة وهي الحياة الحيوانية التي فيها الروح، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع أهل العلم على هذا المعنى في نفخ الروح.

وجاء في رواية أخرى في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود قال: (الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره)، فسمع رجل ذلك من ابن مسعود فذهب إلى حذيفة بن أسيد وقال له: سمعت ابن مسعود يقول: (الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره، كيف يشقى وهو لم يعمل شيئاً؟! فكأنه لم يفهم المعنى من ذلك، فقال له حذيفة بن أسيد رضي الله عنه: أتعجب من ذلك! فإني سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها).

وهذا الحديث عجيب جداً! فقد حدد اثنين وأربعين يوماً على وجود النطفة في بطن الأم يكون خلالها قد تكونت فيها هذه الأشياء، وأهل الطب يقولون ذلك، ويقولون: في الأسبوع السادس يكون قد تكونت هذه الأشياء، والأسبوع السادس هو بعد اثنين وأربعين يوماً، وإن كانوا عندما يحددونها بالأيام يقولون: بين ثمانية وثلاثين يوماً وأربعين يوماً يتكون هذا الشيء، والبعض منهم يقول: حديث النبي صلى الله عليه وسلم يذكر اثنين وأربعين يوماً، والأطباء لا يعرفون اليوم الأول أصلاً متى كان؟ ولذلك يخطئون في الاحتمال بين الثمانية والثلاثين وبين الاثنين والأربعين، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اثنان وأربعون.

فهذا الحديث عجيب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشيء الذي كان العلماء لا يعرفونه إلى وقت قريب جداً، فلم يكونوا يعرفون متى تتخلق النطفة وتتحول إلى علقة وإلى مضغة، وإلى هذه الأطوار، حتى اكتشفوا الميكروسكوبات وصنعوا الأفلام التلفزيونية التي تمكنوا من خلالها من رؤية تحول الجنين من شيء إلى شيء آخر داخل بطن الأم، وأما قبل ذلك فلم يكونوا يعرفون متى تتحول النطفة إلى علقة وإلى مضغة، ومتى تخلق فيها هذه الأشياء.

فالغرض هنا: بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الاثنين والأربعين يوماً التي يتكون فيها الإنسان، وجاء العلماء ليقولوا: بعد الاثنين والأربعين يوماً يتحدد جنس هذا الإنسان، ذكراً أم أنثى، وقد قال الحديث: إنه بعد الاثنين والأربعين يأتي الملك ويقول: يا رب أذكر أم أنثى؟ كما قال العلماء: إنه بعد هذا الوقت يحدد جنس الجنين ذكراً أو أنثى، حسبما يأمر الله عز وجل به، فيحول الغدد الموجودة في الأعضاء التناسلية إلى الذكورة أو إلى الأنوثة.

قال العلماء: ولا يمكن تمييز الجنين أنه ذكر أو أنثى قبل الاثنين والأربعين يوماً أو قبل الأسبوع السادس، هكذا يذكر علماء الطب، وهذا هو الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>