للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لابد على الإنسان من العمل وعدم الاتكال على القدر]

وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: يأمر الله الملك أن يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد)، فيه إثبات أن الملك يكتب رزق الإنسان، وأنه يرزق في يوم كذا كذا وكذا، فهذه من أقدار الله سبحانه التي لا يناقش فيها، وإذا كان كذلك فلا يقول الإنسان: إذا كان الله قد كتب لي رزقي فسأجلس في البيت حتى يأتيني رزقي، ولا يوجد أحد يقول ذلك، وإنما يقول: سأخرج وأعمل؛ لأن رزقي لن يأتي إلا بالعمل، فلابد أن يكون كذلك في جميع القضاء والقدر، فالإنسان مكتوب عليه أن يموت، فمن الناس من يموت بحادثة، ومنهم من يموت بكذا، ومنهم من يموت بكذا، ولا يجلس الإنسان في بيته ينتظر الموت ويقول: كل ما هو مكتوب فسيأتي هذا صحيح، ولكن لم تؤمر أن تمكث في بيتك، بل سر في الأرض وامش في مناكبها وابتغ من فضل الله ومن رزق الله سبحانه، ودع أمر القدر ينفذ فيك كما يريد الله سبحانه وتعالى، فكما أنه إذا جاع الإنسان لا يجلس ينتظر الأكل ويقول: إن الله قد كتب أني سآكل وسيدخل الأكل إلى فمي، ولو قال إنسان ذلك لقيل عنه: مجنون، فربنا كتب لك الأكل وجعل له أسباباً، فمد يدك إلى الأكل وكل، ولا تعمل كهذا الذي سخر منه القرآن بقوله تعالى: {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} [الرعد:١٤].

وهذا المثل للذي يدعو الأصنام، فالقرآن يستهزئ من هذا الداعي للأصنام بقوله: أنت عندما تدعو الصنم وتمد يدك له وتسأله كهذا المغفل الذي يمد يديه إلى الماء وينتظر أن يأتي الماء إلى فمه لأنه عطشان، والماء لن يأتيه ولن يروى هكذا، وهكذا الذي يحتج بالقضاء والقدر، فإن الناس يسخرون منه، فالقضاء والقدر ينفذ فيه، ولكن الله لم يطلعه عليه، ولم يقل له ماذا سيأكل أو سيشرب في هذا اليوم، ولا ما الذي سيحصل له، إذاً: فلا يجلس ينتظر القضاء والقدر، وإنما يؤمن به فقط، ويعمل ويطلب رزقه، وما قدره الله عز وجل له سيأتيه، وليذهب إلى عمله وما قدره الله له من رزق سيكسبه من هذا العمل أو سيفقده في غيره بحسب ما قدر الله عز وجل له، فنؤمن بالقدر ولا نتواكل ولا نناقش في هذا الأمر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>