للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله فسوف يعلمون)]

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة غافر: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر:٦٩ - ٧٢].

يعجب الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ممن يجادل في آيات الله عز وجل بغير حق وبغير علم، قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:١٢١] أي: يوحي الشياطين إلى أوليائهم من المشركين والمنافقين والكاذبين والجاحدين بأن يجادلوا النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالباطل ليصرفوهم عن الحق.

يقول تعالى: ألا تعجب يا محمد من هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله وقد سمعوا كتاب الله وما فيه من الآيات المحكمة العظيمة، والمعجزات الباهرة أنى يصرف هؤلاء عن التفكر في آيات الكتاب، وفي المعجزات التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، وفي آيات الله في الكون التي تدل على أنه إله واحد يستحق العبادة؟! فكيف صرف هؤلاء عن التفكر؟! أين ذهبت عقولهم وقلوبهم؟! لم لا يتفكرون؟! ما هذه الغفلة التي هم فيها؟! ألا تعجب من هؤلاء الذين لا يفهمون ولا يتعظون بما تقول؟! كيف صرفوا عن الحق ودلائله وعن التوحيد؟! وكيف فتنوا وانصرفوا عن التفكر في آيات الله؟! هؤلاء المجادلون بالباطل {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} [غافر:٧٠]، أي: الذين كذبوا بما نزل من القرآن من عند رب العالمين، وكذبوا بما أرسلنا به رسلنا، فهؤلاء جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم فكذبوه، وقد جاءهم بقصص الأنبياء السابقين مع قومهم، فهذا نوح أرسل إلى قومه فأمرهم بالتوحيد، وقال: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩]، وهود أرسل إلى قومه فأمرهم بالتوحيد، وصالح أرسل إلى قومهم فأمرهم بالتوحيد، ولوط أرسل إلى قومه فأمرهم بالتوحيد، وإبراهيم وغيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أمروا قومهم بالتوحيد فانصرفوا عنه إلى الشرك بالله سبحانه وتعالى، فكأن من كذب نبياً واحداً فقد كذب كل المرسلين؛ لأن الجميع جاءوا بهذه الدعوة دعوة التوحيد: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره).

إذاً: هؤلاء المشركون كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكذبوا دعوة التوحيد، وكذبوا بالكتاب وهو القرآن الذي نزل من عند رب العالمين، وكذبوا رسلنا الذين أرسلنا من قبل ذلك، وهو دين الإسلام دين التوحيد.

وقوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [غافر:٧٠] فيه التهديد والوعيد من رب العالمين سبحانه، أي: انتظروا فسوف ترون ما يسوءكم، سوف ترون العذاب الشديد، وذلك بأن نجعل الأغلال في أعناقكم والسلاسل تسحبون بها إلى النار والعياذ بالله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>