للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (فاصبر إن وعد الله حق)]

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد: قال الله عز وجل في سورة غافر: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} [غافر:٧٧ - ٧٨].

يأمر الله عز وجل نبيه صلوات الله وسلامه عليه في هذه الآيات بالصبر، قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [غافر:٧٧]، فإنه كما ابتلي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة ابتلي أيضاً وهو في المدينة صلوات الله وسلامه عليه، فأمره ربه سبحانه بأن يصبر ويأمر المؤمنين كذلك بالصبر، وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصبر فهو أمر بالتبع للمؤمنين؛ لأنه قدوتهم صلى الله عليه وسلم، فأمروا أن يصبروا وأن يصابروا وأن يرابطوا وأن يجاهدوا في سبيل الله عز وجل، قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [غافر:٧٧]، أي: إن وعد الله عز وجل لكم بإحدى الحسنين حق: إما النصر والتمكين، وإما الشهادة وقبض الروح فترجعون إليه ويجازي هؤلاء على ما فعلوا، قال تعالى: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} [يونس:٤٦] أي: فتبصر وترى ما توعدناهم وتهددناهم به، وما أخبرناك بأنه آتيهم من عذاب الله عز وجل، أو نقبضك إلينا ونتوفينك.

وكلا الأمرين خير للنبي صلى الله عليه وسلم، فإما أن يقبضه الله عز وجل فيرجع إلى ربه الكريم سبحانه، فيدخله جنات النعيم فيكون خيراً له، أو أن الله سبحانه وتعالى يمكن له وينصره فيرى في أعدائه ما يشفي صدور المؤمنين، قال تعالى: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} [غافر:٧٧]، وهذا من كرمه سبحانه، فإنه لما هددهم سبحانه علم أن فيهم من يتوب ويرجع إليه فقال: {بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} [غافر:٧٧]، وليس كل ما وعدهم الله سبحانه، فقد يعفو عن البعض وقد يعذب البعض، وقد يؤخر الجميع إلى يوم يرجعون إليه سبحانه وتعالى ويفعل الله ما يشاء.

قال تعالى: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} [غافر:٧٧]، أي: بعض ما توعدناهم به من العذاب وما هددناهم به من نزول العقاب (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) أي: نرجعك إلينا ونقبضك، قال تعالى: (فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)، أي: الجميع سيرجع إلى الله، ثم يكون الجزاء والحساب والثواب والعقاب والجنة والنار.

وقوله تعالى: (إِِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)، هذه قراءة الجمهور، وقرأ يعقوب (إلينا يَرجِعون)، أي: يرجع كل إنسان إلى ربه فيجازيه بعمله إن خيراً فخيراً وإن شراً فشر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>