للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من أسماء الله الحسنى الرحمن والرحيم والفرق بينهما]

الرحمن اسم من أسماء الله عز وجل الحسنى التي اختص بها، قال الرحمن: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥]، فلن تجد أحداً اسمه الرحمن مع الله عز وجل، فهو الرحمن وحده لا شريك له، ولذلك فإن الكفار أرادوا أن يفتروا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه يُعلم رجل من اليمامة اسمه: الرحمن، وقالوا: يأتي بالقرآن رحمان اليمامة، فكذبوا في ادعائهم، إنما الرحمن الواحد سبحانه، وما تسمى بهذا أحد سواه سبحانه وتعالى، فاختص بأنه الله، واختص بأنه الرحمن.

أما الرحيم فهو اسم من أسمائه الحسنى سبحانه، وهي صفة جعل لخلقه أن يتصفوا بها، فالله يرحم من عباده الرحماء، كل إنسان رحيم من عباد الله عز وجل يرحمه الله، والراحمون يرحمهم الرحمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).

وأخبرنا الله سبحانه عن نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام أنه جعله رءوفاً رحيماً عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] ولكن الله عز وجل أعطاه رحمة من عنده، فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:١٥٩].

فقوله: ((فَبِمَا)) يعني: فبرحمة عظيمة من الله عز وجل جعلها في قلبك ((لِنْتَ)) أي: للمؤمنين، فأي رحمة عظيمة نزلت عليك وجاءتك من الله يتعجب من أمرها! فقد كان غاية في الرحمة والحنان صلوات الله وسلامه عليه، ولشدة شفقته على أمته صلى الله عليه وسلم جميعهم كاد يهلك عليه الصلاة والسلام من جزعه على كفرهم؛ ولذلك عاتبه الله عز وجل فقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف:٦] أي: ستهلك نفسك من الأسف ومن الحزن عليهم بسبب عدم إيمانهم والله تعالى يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران:١٤٤]، وأرسله الله نذيراً عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:٢٣ - ٢٤].

فالنبي صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوف رحيم، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨].

وأخبر عن نفسه سبحانه فقال: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:٤٣].

إذاً: الله هو الرحمن الرحيم، والرحمن: صفة يختص بها سبحانه وتعالى، وهي صيغة مبالغة من الرحمة، ورحمة الله سبحانه وتعالى رحمة واسعة عظيمة؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (الله قسم رحمته مائة قسم، أنزل منها قسماً في الأرض، وترك عنده -سبحانه وتعالى- تسعة وتسعين قسماً من رحمته يرحم بها عباده يوم القيامة)، وهذا القسم الذي أنزله الله في الأرض يتراحم به الخلق جميعهم، كلهم يرحم بعضهم بعضاً، فيجعل الرحمة في قلب الوالدة، وفي قلب الوالد على ولده، باختلاف خلقه من الإنس ومن الجن ومن الحيوان ومن الطيور، فجعل في قلوبهم رحمة يرحم الأب ولده بهذا الجزء من الرحمة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى، حتى إن الحيوان ذا الحافر ليرفع حافره عن ولده لئلا يصيبه، وهذا من الرحمة التي جعلها الله عز وجل.

فإذا جاء يوم القيامة أضاف هذه الرحمة إلى تسعة وتسعين قسماً من رحمته، ورحم بها عباده يوم القيامة، فهو الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى.

والرحمن صيغة مبالغة والمعنى: ذو الرحمة العظيمة الواسعة العامة التي تعم جميع خلقه سبحانه تبارك وتعالى.

فالرحمن فيها عموم وخصوص.

والرحيم فيها عموم وخصوص أيضاً.

فالرحمن: صيغة مبالغة من الرحمة العامة التي تعم الخلق جميعهم، فجعل في قلب كل واحد من خلقه شيئاً من الرحمة زادت أو قلت، في قلوب المؤمنين، وفي قلوب الكفار، وفي قلوب الحيوانات، وفي قلوب كل خلق خلقه الله عز وجل.

كذلك يرحم الله عباده سبحانه، فالإنسان يرفع يديه إلى الله: يا رب يا رب، فيستجيب الله عز وجل له، يظلم الإنسان نفسه وغيره، فيقول المظلوم: يا رب -وقد يكون المظلوم كافراً- ويقول: يا رب فينتصر الله له ممن ظلمه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (دعوة المظلوم تصعد إلى السماء كالشرر ليس بينها وبين الله حجاب حتى وإن كانت من كافر).

فالله هو الرحمن الذي رحم خلقه فأقام عليهم الحجة حتى يعرفوا الحق، فأرسل الرسل وأنزل الكتب لجميع خلقه، ليهديهم سبحانه وتعالى، وجعل فيهم العقول، وجعل فيهم الفطر، وجعل فيهم القلوب، فهذه صفة الرحمن تبارك وتعالى، فجعل للجميع ما يظهر لهم أن الله وحده هو الذي يستحق العبادة لا شريك له حتى يؤمنوا به؛ لأنه الرحمن.

والرحيم: صيغة مبالغة فيها عموم وخصوص، فالعموم في الرحيم أن الله سبحانه وتعالى جعل الرحيم لنفسه اسماً له، وجعله صفة لخلقه.

إذاً: الله عز وجل هو الرحيم، ومن خلقه من يكون رحيماً أيضاً، ولكن هناك فرق بين الله الذي سمى نفسه الرحيم وهي صفة تليق بعظمته سبحانه وبين من يتصف من خلقه بأنه رحيم، فالنبي صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوف رحيم، وفرق بين رحمة الله العظيمة الواسعة ورحمة المخلوق المحدودة.

والخصوص: أن الله سبحانه وتعالى رحيم بالمؤمنين، فقال عن نفسه سبحانه: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:٤٣].

إذاً: هي صفة لله عز وجل يختص بأنه يرحم بها المؤمنين، وفي يوم القيامة إذا حشر الناس قنط الكافرون من رحمته سبحانه، وفتح الله للمؤمنين رحمته سبحانه وتعالى، فالرحيم اسم من أسمائه سبحانه، وصفة يرحم بها عباده المؤمنين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>