للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين)]

ثم قال تعالى بعد ذلك للخلق: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [فصلت:٩] أي: إنكم تكفرون بالله سبحانه الذي خلق هذا العالم الذي ترونه وخلق العوالم الأخرى التي لا ترونها، ولكن يخبركم الله عز وجل عنها وكيف خلقها وفي أي زمن خلق الله عز وجل ذلك، وهذا يدلنا على قدرته العظيمة، قال عز وجل: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] والله سبحانه تبارك وتعالى هو الحليم الكريم الصبور سبحانه تبارك وتعالى، فربنا يرينا قدرته ويرينا حلمه سبحانه تبارك وتعالى، ويرينا الأشياء المتقنة؛ فإنه أتقن كل شيئاً خلقه سبحانه تبارك وتعالى، وكل شيء مخلوق بإتقان ومخلوق في الموضع الذي يريده الله سبحانه، قال سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى:٢ - ٣]، فيخلق كل شيء وهو الخالق البارئ المصور، قدر سبحانه وأعطى لكل شيء صورته، وهذا جليل في خلقه سبحانه تبارك وتعالى يرينا إياه حتى نعتبر، وحتى ننظر في قدرته العظيمة سبحانه تبارك وتعالى.

{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا} [فصلت:٩] أنتم مقرون بأنه الذي خلق هذه الأرض، وهو الذي خلق هذه السماوات، فكيف تجعلون له أنداداً وشركاء؟ ماذا خلق هؤلاء الشركاء وهؤلاء الأنداد؟ خلق الله الأرض في يومين والله على كل شيء قدير، فهو سبحانه قادر أن يخلق الأرض وحدها في أيام كثيرة، وقادر على أن يخلقها في لحظة واحدة، ولكنه سبحانه أرانا حلمه وإتقانه، خلقها في يومين، فالله على كل شيء قدير: {إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] فإذا قال للأرض: كوني أرضاً تكون أرضاً، وإذا قال للسماء: كوني سماءً تكون سماءً، وإذا قال: كوني جبالاً وبحاراً وأنهاراً وأشجاراً تكون كما يريده الله، ولكن أرانا أن هذه الأشياء خلقها في ستة أيام كما سيأتي التفصيل.

قوله: (قل أئنكم) هنا همزتان في كلمة: الأولى مفتوحة والثانية مكسورة، وفيها قراءات للقراء كل على أصله، فيقرأ قالون عن نافع وأبو جعفر وأبو عمرو: (قل أأنكم) يعني: إدخال ألف بين الهمزتين مع تسهيل الهمزة الثانية، وقراءة ورش عن نافع، وقراءة ابن كثير، وقراءة رويس أيضاً عن يعقوب: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ} [فصلت:٩]، وقراءة باقي القراء: (قل أئنكم) إلا أن هشاماً عن ابن عامر له ثلاثة وجوه فيها: فيقرأ (أَئِنَّكُمْ) كغيره، وبالإدخال (أآئنكم)، وبالإدخال مع التسهيل (قل أآنكم) هذه ثلاث قراءات له.

قوله: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت:٩] يعني: أنه عز وجل خلق الأرض وقال لها: كوني أرضاً، في يومين، فكيف تجعلون له أنداداً؟ والند: النظير والمثيل والشريك والشبيه، فكيف جعلتم لله أشباهاً ونظراء له تعبدونهم من دونه؟ وما الذي فعلوه حتى تعبدوهم؟ إن الخالق العظيم هو الله وحده لا شريك له رب العالمين الذي يقدر ويربي سبحانه تبارك وتعالى ويخلق ويرزق سبحانه، الرب الصاحب لكل شيء، المالك لكل شيء، مالك العالمين، ورب كل عالم: عالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الدواب، وعالم الحشرات، وعالم السموات، وعالم الأرض، وعالم الملائكة، وكل عالم داخل تحت ربوبية رب العالمين سبحانه تبارك وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>