للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم)]

قال تعالى: {وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} [فصلت:٢٢ - ٢٣] أي: ظنكم أن الله لا يعلم ما تعملون أرداكم، وهكذا كل من يظن سوءاً بالله عز وجل -كهذا الظن الذي ظنه هؤلاء- يرديه ظنه، ولذلك يعلم المؤمن أن الله عز وجل يعلم كل شيء، ويطلع على كل شيء، ويحسن الظن بالله، فله المثل الأعلى، وله الأسماء الحسنى والصفات العلى، أما هؤلاء فهم يسيئون الظن بالله سبحانه تبارك وتعالى، فقد أساءوا الظن حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:٣١] أي: لماذا لم يختر الله للنبوة إلا أنت؟ فلو أنه نزل القرآن على أحد غيرك! وحسدوا النبي صلى الله عليه وسلم، وحقدوا عليه لا لشيء إلا لأن الله نزل عليه القرآن.

وكأنهم يعرفون ما لا يعرفه الله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراًَ! ومن سوء الظن كذلك ما قالت اليهود في الله سبحانه تبارك وتعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:٦٤]، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.

ومن سوء الظن كذلك ما قالت النصارى واليهود في الله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:٣٠]، فصرفوا عن توحيد الله سبحانه بهذا الذي اخترعوه من كلام باطل، وكذب على الله سبحانه أنه اتخذ صاحبة واتخذ الولد، حاشا له سبحانه، إنما يحتاج إلى الولد من هو ضعيف يموت ليبقى الولد ذكره بعده، والله حي لا يموت، فلا يحتاج إلى أحد، ويحتاج إلى الولد من يضعف في كبر سنه وتأتيه الشيخوخة، فيحتاج إلى من يعينه إذ المخلوق ضعيف بطبعه فقير بخلقته، يحتاج إلى المال، ويحتاج إلى البنين، ويحتاج إلى أنصار ليكونوا عونه في نوائبه، أما الله فهو الغني الحميد سبحانه تبارك وتعالى.

ومن ظن السوء ما ظنه المشركون بالله من أنه لا يقدر على الإرجاع مرة ثانية، قالوا: {نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:٢٤]، فأساءوا الظن بالله، ولذلك يعذبهم الله يوم القيامة على إساءتهم الظن فيه، وإساءتهم الاعتقاد فيه، أما المؤمن فهو يؤمن أن الله على كل شيء قدير، أليس الذي بدأ الخلق بقادر على أن يعيده مرة أخرى، {بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف:٣٣].

<<  <  ج:
ص:  >  >>