للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً)

ثم يذكر الله لنا صفات هؤلاء الذين وحدوا الله سبحانه وعبدوه واستقاموا على دينه سبحانه، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣] قول بعد اعتقاد في القلب اعتقاد توحيد الله سبحانه وتعالى، وفي اللسان: قول لا إله إلا الله والتوكل على الله سبحانه وتعالى، والإحسان إلى الخلق، فأحسنوا باعتقادهم وأحسنوا في معاملتهم فاستحقوا من الله عز وجل الإحسان، بل الحسنى وزيادة.

قوله تعالى: {مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} أي: كل من دعا إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك المفسرون من الصحابة ومن بعدهم اختلفوا في ذلك، لكن الخلاف الذي بينهم خلاف تنوع وليس خلاف تضاد، فمنهم من يقول: الداعي هو محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهذا صحيح ولا يمنع أن يكون غيره يدعو إلى الله سبحانه وتعالى، ومنهم من يفسر {مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:٣٣] أنه المؤذن، يدعو إلى الله، فينادي الناس للصلاة، وهذا صحيح ولا يمنع أن يكون غيره كذلك داعياً إلى الله، والصواب في ذلك: أنه كل من دعا إلى الله سبحانه وتعالى، وإمام الدعاة وسيدهم نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فهو خير من دعا إلى الله سبحانه وتعالى، وكذلك أصحابه جاهدوا في سبيل الله، فدعوا الخلق إلى الله، وكذلك من يدعو الناس إلى الصلاة ويدعو الناس إلى الزكاة ويعلم الناس دينهم، فكل من يدعو إلى طريق الله سبحانه وتعالى داخل تحت هذه الآية ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ)) أي: أحسن الأقوال وأحسن الفعال ما كان نتيجته استجابة لدين الله ودخول في دين الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لكم من حمر النعم، وخير لك مما طلعت عليه الشمس) فإذا دعوت إلى الله سبحانه لا تطلب دنيا، وإنما تطلب الآخرة، فلك أجر عظيم عند الله، فالداعي إلى الله يطلب الآخرة، وجنة الرضوان أعظم ما يطلبه الإنسان، وإذا طلب رضا الله أعطاه الله الدنيا والآخرة، وإن لم يعطه فيها ملكاً أعطاه رضاً في قلبه عن دين الله سبحانه وعن أمره، وأعطاه من يحبه من خلق الله سبحانه وتعالى، وإذا أحب الله عبداً نادى جبريل فقال: (إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبونه ويوضع له القبول في الأرض)، هذا جزاء في الدنيا قبل الآخرة.

فلابد من الاعتقاد أن التوحيد هو قول لا إله إلا الله، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في كل وسيلة وكل طريق والعمل الصالح، فلا يقول: أنا أدعو الناس يعملون ويكفي، بل لابد أن يكون عمله مؤيداً ما يقول لسانه ويعتقده قلبه.

قال تعالى: {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣] سمانا الله عز وجل هذه التسمية الجميلة العظيمة المباركة: مسلم، فلا نبتغي بديلاً عن هذه التسمية العظيمة، نحن من المسلمين، ملة أبينا إبراهيم، والله سبحانه وتعالى سمانا المسلمين من قبل، فأجمل ما تتسمى به قولك: أنا مسلم، أي: مستسلم لله سبحانه وتعالى، مسلم نفسي وقلبي وبدني، وموجه وجهي إليه سبحانه وتعالى، هو يأمرني وأنا أطيعه، هو ينهاني وأنا أفعل ما يقوله سبحانه وتعالى، فأجتنب ما حرم وأفعل ما أمرني أن أفعله.

إذاً: الذي يدعو إلى الخالق سبحانه وتعالى وإلى دينه يستشعر أنه عبد وأنه من المسلمين، فلا يستشعر أنه متطاول على الخلق، يدعوهم لأن له عليهم سلطان، فهو يستشعر في العبودية لله سبحانه أنه عبد يطيع ربه سبحانه، فيدعو الخلق إلى الله لينجو هو وينجو الخلق من عذاب الله يوم القيامة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>