للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة فصلت: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فصلت:٣٩ - ٤١].

يخبر الله سبحانه وتعالى عن آياته العظيمة، فهو الذي خلق السموات والأرض وجعلهما آيتين للعباد، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، وهو الذي خلق كل شيء من أصغر الأشياء إلى أكبر وأعظم الأشياء، قال الشاعر: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد سبحانه وتعالى، ففي كل شيء إعجاز، في خلق أصغر شيء، وفي خلق أكبر الأشياء، قال الله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات:٢٧] وذكر من آياته العظيمة فيها: {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} [النازعات:٢٨ - ٣١]، فجعل هذه آيات للعباد لمن يتذكر ولمن له قلب.

من آيات الله سبحانه وتعالى العظيمة الأرض هذه التي نسير عليها فهي من بعض آيات الله عز وجل في هذا الكون العظيم، فأنت ترى الأرض خاشعة هامدة يابسة، وهذه الأرض الخاشعة إذا أنزل الله عليها الماء اهتزت وربت، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً} [فصلت:٣٩] كأنك تسير فوق الأرض في الصيف في حال الجفاف، وترى هذه الأرض ساكنة لا تهتز، وهي أمامك أرض يابسة لا نبت عليها إلا ما يشاؤه الله سبحانه وتعالى، ثم إذا نزل عليها المطر من السماء جعل الله لكم آية حتى تقيسوا على ذلك إحياء وإخراج الموتى يوم القيامة فجأة تهتز الأرض وتربو الأرض ويخرج منها النبات، فالذي أحيا هذه الأرض أليس {بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف:٣٣].

فمن آياته العظيمة أنك ترى الأرض اليابسة الخاملة الساكنة الساكتة ينزل الله عليها المطر من السماء فتهتز وتربو، والأرض فيها كائنات ومخلوقات لا تراها بعينك، والله سبحانه وتعالى يعلم عنها كل شيء، فهو الذي خلقها بداخل هذه الأرض، يقول العلماء: إن في الأرض أشياء كثيرة جداً من البكتريا والفطريات والطحالب والبذور والسيقان الأرضية والبصلات والبصيليات وحويصلات فيها ديدان وحشرات وجراثيم وأشياء موجودة بداخل الأرض وهي ساكنة ساكتة، هذه الأشياء تعيش تحت الأرض في سبات عميق لا توجد مياه نازلة عليها فهي لا تتحرك محافظة على أنفسها في هذه الحالة الساكنة، وتنخفض فيها العمليات الحيوية إلى أدنى معدل فيها، فلا حركة موجودة في هذه الأشياء، فالأرض هامدة ساكنة وما بداخلها كذلك هامد ساكن، بعد ذلك ينزل المطر من السماء على هذه الأرض، فتمتص الأرض هذه المياه النازلة من السماء، فتبدأ الحركة في الأشياء الموجودة بداخل هذه الأرض، الجراثيم تتحرك، والبكتريا والطحالب والديدان والحويصلات والبويصلات والبصلات والسيقان الأرضية والجذور وكل شيء بداخل هذه الأرض يتحرك، وتحصل عملية حيوية عظيمة جداً بداخل الأرض؛ لتنتفع أنت منها بعد ذلك مما يخرج الله عز وجل من النبات، والبذور الموجودة بداخل الأرض ساكتة، ولما ينزل عليها الماء تهتز وتتحرك بداخل هذه الأرض، وتسري فيها الحياة وتهتز الأرض بحركة ما بداخلها، ملايين الملايين من الكائنات الموجودة داخل الأرض كل منها يأخذ رزقه ويبدأ في الحركة، فإذا بالأرض تهتز وتتحرك وتربو الأرض وتنتفخ وترتفع.

يقول العلماء: تبدأ عمليات الانقسام بداخل الأرض، إذ إن الكائن الذي بداخلها ينقسم إلى اثنين وإلى ثلاثة وإلى أربعة انقسامات خلوية يعلمها الله سبحانه ويدبر أمرها، فيبدأ امتصاص الماء بداخل الأرض، وتحليل الغذاء الذي كان معقداً إلى مواد بسيطة ينتفع منها النبات.

يقول العلماء: بعد ذلك تبدأ عملية التأين العجيبة في جزيئيات التربة، إذ تتجمع الجزيئيات في جزيئيات التربة، وتنشط الديدان الأرضية في شق الأنفاق الأرضية وتأكل تربة الأرض وتخرجه تربهً أخرى أقل تعقيداً مما كانت قبل ذلك، وتبتلع كميات هائلة من التراب المتناسق المعقد، وتخرجه تربة خصبة طيبة مفككة، وتزداد التربة في حجمها فإذا بالتربة الأرضية تعلو، والتراب المتحجر أخذتها هذه الديدان وأخرجتها تراباً نقياً، كان متجمعاً فصار مفتتاً؛ فربت الأرض وانتفخت وعلت، كما ترى في العجين حين تأخذ الدقيق وتسكب عليه الماء وبعد ذلك تغطيه وتتركه فيتخمر ويربو ويعلو، ولعله يفيض من الحلة وينزل، كذلك الأرض يجعلها الله عز وجل فتربو وتنتفخ ثم تخرج ثمارها فينتفع الإنسان بذلك.

قال سبحانه وتعالى: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى} [فصلت:٣٩] (ربت) بمعنى: علت هذه قراءة الجمهور، وقراءة أبي جعفر: (وربأت) بمعنى: انتفخت وعلت.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى} [فصلت:٣٩] أي: كهذه الحياة التي دبت في الأرض بقدرة الله سبحانه ولم تتدخل أنت فيها، فالله على كل شيء قدير، كذلك يأمر من في القبور بالخروج إلى البعث والنشور فيحييهم الله عز وجل للجزاء وللجنة أو للنار.

قال تعالى: {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت:٣٩] والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير لا يعجزه شيء، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢].

<<  <  ج:
ص:  >  >>