للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير)]

ثم يخبرنا الله عن حال هذا الإنسان المشرك بالله والكافر فقال: {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ} [فصلت:٤٩]، والإنسان جنس، وهذا من العموم الذي يراد به الخصوص، {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [فصلت:٤٩ - ٥٠]، هذه جملة من الصفات التي لا يمكن أن تكون في المسلم، ولكن قد تكون فيه بعض الصفات، ولكن لا يمكن أن تكون كلها لذلك يقول العلماء: إن هذا العموم الذي في قول الله سبحانه: ((الإِنْسَانُ))، والمقصود به شيء مخصوص وهو الكافر من الناس، الذي اجتمعت فيه هذه الصفات، وإن كان المسلم قد يكون فيه بعضها، {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ من دعاء الخير} [فصلت:٤٩] قد يكون في المسلم، فلا يوجد أحد يسأم من دعاء الخير، والخير هنا بمعنى المال والصحة والعافية، ومتطلبات الإنسان في الدنيا، فكل إنسان يقول: يا رب! أعطني مالاً، أعطني صحة، أعطني عافية، أعطني عزاً، أعطني سلطاناً، فكل إنسان يطلب ذلك.

{وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} [فصلت:٤٩] وهذه لا تكون في المؤمن فهو لا ييئس؛ لأن ربنا قال: {لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:٨٧]، فيستحيل أن ييئس المسلم من روح الله.

قال: {وإن مسه الشر} [فصلت:٤٩] والشر بمعنى: الضر، والبأساء بمعنى الشيء الذي يبتلى به الإنسان، من فقر يأتي عليه، أو مرض يصيبه، فهذا شر في نظر الإنسان وإن كان بتقدير الله كله خير للإنسان الذي يعقل ويفهم ذلك، فكأن الإنسان الكافر إذا جاء له الخير يدعو ويطلب الخير، وإذا مسه شيء من البأساء، ومن الضر، ومن الفقر والمرض، {فيئوس قنوط} [فصلت:٤٩]، وهنا صيغة مبالغة وتكرار، والمعنى أنه كثير اليأس، وإن كان يوجد فرق بسيط في المعنى، لكن المقصود شدة يأس الإنسان لما يجيء له شيء من البلاء.

قال: {وإن مسه} [فصلت:٤٩] أي: شيء يأتيه من الشر، {فيئوس} [فصلت:٤٩] كأن يأسه في قلبه بأن يسيء الظن بالله سبحانه، وأن الله لن يكشف ما أصابه فييئس من رحمة الله سبحانه، ويسيء الظن في رحمة الله، {قنوط} [فصلت:٤٩] القنوط هو ظهور أثر اليأس على الإنسان من ذلةٍ وانكسار.

فالله عز وجل تعجب من هذا الإنسان، أصبناه بشيء من البلاء، وإذا به على هذه الحالة وييئس من روح الله ومن رحمته، ويقنط وينكسر!

<<  <  ج:
ص:  >  >>