للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (له مقاليد السموات والأرض)]

قال الله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الشورى:١٢].

قوله: ((لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أي: يملك مفاتيح السماوات والأرض، فلا يقدر أحد أن يفتح خزائن الله إلا أن يشاء الله، له الخزائن كلها، وخزائنه ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، العباد يسألونه سبحانه وينزل خيره إلى العباد، لكن لا يتخيل الإنسان أنه سوف ينزل من عند الله ما يشاء بمشيئته هو، فمشيئة البشر مفاتيحها عند الله سبحانه وتعالى، يملكها فلا يعطيها أحداً من خلقه، فلا يأخذون شيئاً إلا بما يشاء سبحانه، {مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر:٢]، ينزل رحمته فلا يقدر أحد أن يمسك هذه الرحمة ويمنعها، {وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:٢].

إذا قدر وضيق وأمسك من الذي يترك هذا وينزله؟ لا أحد، فالمفاتيح عند الله سبحانه وتعالى، (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) والمعنى: أنه يملك مفاتيح كل شيء، ويملك خزائن كل شيء.

قوله: ((يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ)) أي: يعطي ويفتح سبحانه الرزق لمن يشاء من خلقه، ((وَيَقْدِرُ)) أي: يضيق، فهو الذي يبسط وهو الذي يضيق، وهو الذي يفتح وهو الذي يغلق سبحانه وتعالى، ((إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) أي: كل شيء تتخيله الله يعلمه سبحانه وتعالى، فكر في الشيء القليل ثم قس على ذلك الكثير، انظر إلى النخلة المثمرة، خرجت من نواة الله أعلم بها سبحانه وتعالى، هذه النواة ألقاها من أكلها، والله أعلم أين ستذهب هذه في الأرض، وينزل لها الماء الذي ينفعها، وأخرجت نبتاً، وجعل لها ساقاً، وجعل لها جذوراً، وغذاها من الأرض، ثم أخرج منها الجذوع وأخرج منها الثمار، كم عدد هذا البلح الذي في هذه النخلة؟ فالله يعلم أي بلح من هذا البلح يصير تمراً، وأي شيء منه يكون رطباً، وأي شيء منه يكون بسراً، الله أعلم بذلك سبحانه وتعالى.

وقس جميع ما خلق الله سبحانه وتعالى على ذلك من دواب بثها في الأرض، وجعل لها رزقها، وجعل فيها عقولاً تفهم كيف تأتي بهذا الرزق الذي قدره الله سبحانه وتعالى، فالنمل هذا المخلوق الصغير الذي جعله الله عز وجل أمماً أمثالكم، كيف تأتي إلى الحبة وتأخذها لتخزنها للشتاء، فإذا خافت عليها من أمطار السماء إذا بها تثقبها، تثقب الحبة من أجل ألا تنبت إذا جاء عليها ماء، من الذي علمها ذلك؟ إذاً: النمل يجمع هذه الحبوب للشتاء، وفي نيجيريا لما حصلت عليهم المجاعة التي هم فيها، ذهبوا ليبحثوا عن الغذاء في جحور النمل، ذهبوا من أجل أن يأخذوا من جحورها الحبوب التي جمعها النمل ليأكلها البشر، سبحان من قدر الأرزاق لمن يشاء من خلقه سبحانه وتعالى! فاحذروا من غضب الله سبحانه وتعالى أن تعصوه، فيمنع عنكم القطر من السماء، أو يرسل عليكم طوفاناً من الأرض.

نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>