للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فضل صلاة النافلة]

قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، فإذا نقبت عن أفضل الأعمال تجد أنها الصلاة، فهي من أعظم العمل الذي يتقرب به العبد إلى الله عز وجل.

فذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أن الصلاة أحب العمل إلى الله سبحانه وتعالى، وأفضل ما يتقرب به العبد إلى الله عز وجل، مما افترضه الله عليك، وقد افترض عليك الصلاة والصيام والزكاة والحج، وأحب ما تتقرب إلى الله عز وجل من الأعمال المفروضة هي الصلاة، قال الله عز وجل: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)، فتصلي الصلاة المفروضة كما أمرك الله سبحانه وتعالى، وتواظب عليها، وتؤديها في أوقاتها، لا تسه عنها، ولا تغفل عنها، ولا تفرط فيها، ولا تجمع الصلوات بعضها إلى بعض، ولكن صل الصلوات على وقتها كما أمرك الله بقوله: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:١٠٣] أي: فرض محدود بتوقيت، لا يجوز لك أن تخرجها عن وقتها فتصلي الصلاة في غير وقتها.

قال الله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:٤ - ٧]، فهم كانوا يصلون ولكنهم كانوا يجمعون الصلوات بعضها إلى بعض، ويعطل أحدهم الصلاة عن معناها وعن مقصدها، ويدخل في الصلاة ولا يفهم كيف يصلي ولا ما الذي يلزم في صلاته، وينشغل في صلاته بعمل، أو بمال، أو بأصحاب، فإذا به في صلاته لا يعقل شيئاً منها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا اصفرت قام فنقرها أربعاً)، وهذه من سمات المنافقين، حيث يرقب الشمس حتى تكاد الشمس تغرب وقد اصفرت فيقوم فينقرها أربع ركعات، فهو ليس من الذين لا يصلون بالكلية، أما الذي لا يصلي كلية فهو أشد وأعظم.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، فتصلي الصلاة الصحيحة ويقبلها الله سبحانه وتعالى، فيكفر عنك بهذه الصلاة من سيئاتك، قال عليه الصلاة والسلام: (الصلاة الخمس، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، فإذا اجتنبت الكبائر فهذه الأفعال مكفرات، ومثله أن يسهو في صلاته.

وقال ربنا سبحانه: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:٤٥]، فالصلاة التي يريدها الله عز وجل وكانت أعظم أعمالك هي الصلاة التي تنهاك عن الفحشاء والمنكر، فتخرج من الصلاة ولا تؤذي أحداً من الخلق، وتعطي الفقير والمسكين، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتحب الصلاة وتنتظر وقت الصلاة التي تليها.

يقول ربنا سبحانه وتعالى كما في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) وهذا من فضل العمل الصالح، وأعظم العمل الصالح صلاة الفريضة، فتصلي الفريضة وتكثر من النوافل، قبل الفجر تصلي ركعتين وقبل الظهر أربعاً وبعده أربعاً، وقبل العصر أربعاً، وبعد المغرب تصلي ركعتين، وبعد العشاء ركعتين تتقرب بذلك إلى الله بالنوافل وترضي ربك، وهي محبة الله لك كما قال تعالى: (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)، فإذا وصلت إلى هذه الدرجة وهي محبة الله لك قال: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به)، كان الله سمعك الذي تسمع به، والمعنى: أن الله يحفظ سمعك، ويحفظ بصرك، ويحفظ لسانك، ويحفظ يدك ورجلك، وكان الله لك في كل هذه الأشياء حافظاً ووكيلاً وحفيظاً عليك: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:٦٤]، فيحفظ سمعك فلا تسمع إلا ما يرضي الله سبحانه وتعالى، فعندما يريد إنسان أن يحدثك بغيبة أو بنميمة أو بسخرية بالاستهزاء بكذا فلا تسمع، ولا تحب ذلك؛ لأن الله جعل سمعك سمعاً ربانياً، لا يسمع إلا ما يحبه سبحانه وتعالى، ويكره إليك المعاصي فلا تحبها، فإذا أراد بصرك أن ينظر إلى ما حرم الله إذا بالواعظ في قلبك يزجرك وينهاك فتمتنع من ذلك محبة لله سبحانه وطاعة لله وحباً من الله لك، وكذلك اليد التي تبطش بها تجاهد في سبيل الله، فيسدد الله رميتك لعدوك، قال الله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧]، فأنت تمسك بالسيف لتضرب، وأنت الذي ترمي بالرمح، ولكن الذي يعينك ويعطيك القوة هو الله.

قال: (ورجله التي يمشي بها) فيوفقك الله لطاعته والمشي إلى رضوانه، فتمشي في جنازة أو تعود مريضاً، فتجد نفسك كل مشي في طاعة الله يعينك الله عليه ويوفقك إليه، فكان الله عز وجل لك معيناً في ذلك.

والمعنى: كنت له عوناً معيناً محافظاً حافظاً له مدافعاً عنه ناصراً له، وكل إنسان يحب الله سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١]، وإذا كان الأمر أنك تريد محبة الله سبحانه، وتريد أن يكون معك، إن كنت تحب الله حقاًً فيجب أن تتبع النبي صلوات الله وسلامه عليه، قال تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)، وهذا هو الإيمان الأصل وأنه لا يتحقق إيمان أحد حتى يحب الله أعظم الحب، ولا يوجد شيء يستحق أن يصل إلى كامل المحبة من محبتك لله سبحانه وتعالى، وكذلك حبك لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

والصلاة هي التي توصلك لحب الله، ولذلك في الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء)، ذكر هنا النور والضياء، لكن النور أعظم؛ لأن النور لا يؤذي، تقول: مشيت في نور القمر، وهو نور هادئ لا يوجد فيه إحراق، وتقول: مشيت في ضوء الشمس، وكلما ازداد الشمس كلما ازدادت الحرارة، تشرق الشمس في أولها، فترتفع وترتفع، وكلما ارتفعت ازدادت حرارة، فيأتي الإنسان في وقت الظهر إذا كان في الصيف فيجد حراً شديداً، ولذا جاء في السنة أنك إذا كنت في الصيف في الأيام التي فيها حر قاتل فيجوز لك أن تؤخر صلاة الظهر وأن تبرد بها، فقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الحر يؤخر الظهر ليبرد بها، حتى يرجع الفيء فيخرج يصلي صلوات الله وسلامه عليه.

ويقول عليه الصلاة والسلام: (والصبر ضياء)، فالصبر يضيء لك الطريق، ولكن الصبر لا بد أن يكون على الأذى وعلى المشقة وعلى الكراهة، فالإنسان يصبر على مصيبة نزلت به فالصبر عظيم جداً.

والصلاة نور، فلا يوجد فيها أذى، فتستطيع أن تصلي قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب، فالصلاة سهلة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>