للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أمر الله لنبيه بالإيمان بالكتب المنزلة من عنده وبإقامة العدل]

قال الله تعالى: {وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} [الشورى:١٥] أمر أن يتلفظ بذلك: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، خيره وشره حلوه ومره، آمنت بما أنزل الله من كتاب، آمنت بكل الكتب التي أنزلها الله وأخبر عنها وصدقته، وآمنت بأنها منزلة من عند رب العالمين، وآمنت أن الله أنزلها.

ولكن معنى (آمنت): صدقت وأقررت، فالمطلوب منه صلى الله عليه وسلم ومن الخلق جميعهم بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيموا دين التوحيد، ويقيموا شرع النبي صلوات الله وسلامه عليه، فهو ناسخ لما قبله، قال تعالى: ((وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) فالمقصود: الإيمان بما أمرنا الله عز وجل أن نؤمن به، بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر.

وقد أُمر النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك المؤمنون بأن يقيموا هذا الدين وأن يعدلوا، قال تعالى: ((وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ))، والعدل لا يكون إلا بكتاب من عند الله، فالله الذي نزل الكتاب بالحق والميزان، وأنزل العدل وبينه لنا، ولو ترك الناس لأهوائهم وأنفسهم، لاخترع كل إنسان ميزاناً للعدل الذي يقوله، ولكان القوي يفرض رأيه على الجميع، ويقول: العدل كذا، وهو محض الظلم، فالعدل هو الذي أمر الله عز وجل به، وفرضه سبحانه، ولا مجاملة فيه، وأنزل الله الميزان لنتعلم كيف نزن، وكيف لا نحيف ولا نظلم.

وكذلك أمرنا الله سبحانه تبارك وتعالى أن نعدل فلا نظلم، فلا يظلم بعضنا بعضاً ولا نظلم غيرنا.

وقد تكره إنساناً، ولكنك مأمور أن تعدل معه، وقد تبغض إنساناً في الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك أنت مأمور بأن تعدل معه، وتقيم شرع الله عز وجل فيه وفي غيره، هذا هو الدين القيم العظيم الذي يعلمنا العدالة، فلا بد أن نتعلم العدالة ونعمل بها شئنا أم أبينا؛ لأن الله سوف يجازينا يوم القيامة.

وإنَّ في ضمير الإنسان ما يدفعه أن يقوم بالعدل؛ لأن الله سيسأله يوم القيامة، قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} [المائدة:٢]، فاحذروا من عدم العدل، فإنه ليس لكون المشركين في يوم من الأيام صدوكم فالآن تظلمونهم، قال الله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨].

وانظر لميزان العدالة في الإسلام، فقد أمر بالعدل ولو مع عدوك، ولو مع من تكرهه وتبغضه في الله سبحانه وتعالى، لذلك يذهب رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر ليأخذ منهم ما أمر الله عز وجل بأخذه، فالنبي صلى الله عليه وسلم تركهم يزرعونها على أن تكون الثمار قسمة بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من الصحابة رضي الله عنهم ليأخذ منهم ما هو عليهم أن يدفعوه، فحاولوا أن يرشوه، وأخذوا يحيفون في الأمر، فقال: والله إنكم لأبغض الخلق إلي، ومع ذلك لا يمنعني بغضي لكم أن أعدل فيكم، قالوا: بهذا قامت السموات والأرض، أي: قامت بالعدل وأمر الله عز وجل بالعدل.

وهذا عمر رضي الله عنه، يأتي إليه رجل من العرب ويطلب منه شيئاً، فأعطاه عمر رضي الله عنه، ولكن في نفس عمر منه شيء، إذ كان الرجل أعرابياً، وكان جلفاً وفيه فضاضة، فقال له عمر: والله إني لأبغضك، فنظر الأعرابي إلى عمر وقال: هل بغضك لي يمنعني من حقي؟ قال: لا، قال: إنما يحزن على الحب النساء.

فهذا الأعرابي يعترف بأن عمر كان عادلاً، وأيضاً هذا لحماقته، فإن الذي يحبه عمر هو الرجل المؤمن، ولن يحب إلا مؤمناً، فإذا كان عمر يكره هذا الإنسان فإن الأولى بهذا الإنسان أن يقول لـ عمر رضي الله عنه: لم تكرهني؟ وما هي الصفة التي أغيرها إذا كان في شيء تكرهه؟ ولكن الرجل لم يفهم.

والمقصود: أنك إن كرهت إنساناً فلا تظلمه، هذه هي العدالة التي أمرنا الله عز وجل بها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>