للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه)]

قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:٢٠].

فالذي يريد الدنيا يعطيه الله، والذي يريد الآخرة يعطيه الله سبحانه وتعالى، ولكن عطاء الله مقيد بقضائه وقدره سبحانه وعلمه وحكمته، فالإنسان يطلب الدنيا، والله يقول: سنعطيك من الدنيا، ويعطيه ما قسم له؛ ولذلك الآيات التي ذكر الله عز وجل فيها الإعطاء قيدها بآية في سورة الإسراء، قال الله سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء:١٨].

فإذا كنت تريد الدنيا عجلنا ذلك لك، ولكن لا يأتيك منها إلا ما قسمناه وما أردناه أن يصل إليك، قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} [الإسراء:١٨ - ٢٠].

فالله يعطي الجميع ويرزق عباده، ولا يمنع الله سبحانه رزقه وعطاءه عن أحد، وإنما بما قدره وقسمه سبحانه وتعالى.

قال تعالى: ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) والحرث: كسب الآخرة، فإذا أردت أن تكسب الجنة وتكسب رحمة الله وتخفيف الحساب يوم الحساب، فاعمل لهذا اليوم.

قال الله تعالى: ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ)) أي: يعطيه الآخرة ويعطيه الحسنى وزيادة، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الحسنى وزيادة، وأن يعطينا حرث الآخرة وألا يحرمنا من فضله ومن رحمته سبحانه وتعالى، فإذا أردت الآخرة وسعيت لها سعيها ابتغاء وجه الله عز وجل فإن الله يعطيك.

قال الله تعالى: ((وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا)) أي: إذا كنت تريد الدنيا وتعمل لها أعطيناك من الدنيا ما أردنا، وفي الآخرة قال تعالى: ((وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)) فقد أخذ حظه في الدنيا، ولم ينل شيئاً من الآخرة.

والناس أصناف، قال تعالى: ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)).

ولكن من الناس من: {يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:٢٠٠].

يريد الدنيا فقط، فهي همه الشاغل ليل نهار، فيؤتيه الله عز وجل ما شاء من الدنيا وقد يحرمه منها، وفي الآخرة له عذاب النار والعياذ بالله، فإذا أعطى الله عز وجل عبداً من عباده الفهم والعقل والإيمان سأل ربه الآخرة، وقال: ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً)).

وحسنة الدنيا: معرفة الله سبحانه وتعالى وعبادته ورزقه الحلال، فيعطيه المال الطيب والرزق الطيب والولد الطيب والزوجة الطيبة في الدنيا؛ لينتفع بها على أمر الآخرة، وليستعين بها على أمر الآخرة، وفي يوم القيامة يكون له الحظ الوافر عند الله عز وجل، ومن الناس من يطلب الدنيا فقط ويقول: ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا)) فتراه يريد مالا كثيراً وزوجة جميلة سواء كانت صالحة أو طالحة، المهم أن تكون جميلة فقط، والمال لا يهمه أهو من حلال أم من حرام؟ فإذا آتاه الله عز وجل الدنيا ضيع حظه في الآخرة، قال تعالى: ((وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)).

أي: ليس له حسنة في الآخرة وليس له نصيب في الآخرة.

لذلك لا بد أن يكون قلب الإنسان نقياً يطلب الآخرة، مخبتاً يرجع إلى الله سبحانه وينيب إليه، ولا بد أن ينوي النية الحسنة في كل أعماله، فإن صاحب النية الحسنة يؤجر، والآخر لا شيء له، والذي ينام وينوي أن يقوم الثلث الأخير من الليل ليعبد ربه ويصلي، ثم نام ولم يقم الليل، ونام عن صلاة الفجر أيضاً، فإن نومه صدقة عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فيصلي حين يذكرها وتكتب له بنيته، وقس على ذلك كل عمل تنوي به الخير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فالأعمال الصالحة تكون بالنوايا الخالصة، والأجر العظيم منه سبحانه.

والحرث في الدنيا بمعنى: الزرع، ونتيجة زرعهم يُرى في الآخرة، فحرث الآخرة: هو جنى ما زرعه في الدنيا، ومن يرد جنى الآخرة {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:٢٠].

<<  <  ج:
ص:  >  >>