للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عظمة دين الله عز وجل وشريعته وحكمه]

هذه الأمور وقعت في الجاهلية الأولى، ولو ترك الناس لأهوائهم من غير تشريع لعادوا إلى هذه الجاهلية الأولى، سواء اتفقوا على مثل هذه العادات، أو لم يتفقوا، فقد يسن لهم ويقنن لهم هذا الشيء، لذلك نقول: هناك فرق بين الإسلام والقوانين الوضعية، القوانين البشرية تقول لك: حكم البشر للبشر، وهذا أصل معنى الديمقراطية، أي: أصل معنى الديمقراطية أن الحكم للشعب، أما الإسلام فمعناه أن الحكم لله، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف:٤٠]، وقال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك:١٤]، وقال: {وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:٧٠].

فالله سبحانه وتعالى هو الحكم والحكم له سبحانه وتعالى، ولم يجعل للعباد أن يختاروا، فلم ينزل القرآن لأجل أن يختار الناس ما أرادوا منه ويتركوا ما أرادوا، قال الله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦] أي: ما كان ولا يكون أبداً لإنسان يتصف بالإيمان أن يختار على الله سبحانه وتعالى، فعلى ذلك يخبرنا ربنا سبحانه هنا ويقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف:٤٠] أي: هذا الدين العظيم وهذا الدين المستقيم، وهذا الدين الذي يهذب أخلاق الخلق، دين الله سبحانه، فلو ترك الأمر للناس لاختيارهم لاختار الناس ما تقتضيه شهواتهم، فإذا بهم يبيحون الزنا، بل سيبيحون الزنا بالمحارم ولا أحد ينكر ذلك، ويفعلون الفواحش علناً أمام الناس ولا أحد ينكر ذلك، فالذي ينظر إلى الغرب الكافر وإلى أمريكا الكافرة وينظر إلى ما يصنع الناس هناك يعلم أن دين الله حق، فهو الدين الذي يهذب الأخلاق، ويهذب النفوس، ويقوم الخلق؛ لأنه دين الله الذي خلقك فسواك فعدلك، والذي ميزك بقلبك وبعقلك عن البهائم، ميزك عما لا يفهم مما خلق الله سبحانه وتعالى، فهذا دين الله سبحانه يقبح إلينا هذه الأشياء، ويقول: هذه فواحش لا تقربوها فضلاً عن أن تفعلوها.

وهذا الدين يأمرنا بالعدل والإحسان ليس مع المسلمين فقط، بل مطلقاً مع الخلق جميعهم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل:٩٠] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة، الذين يعدلون في أهلهم وحكمهم وما ولوا).

أي: يعدلون العدل الذي أمر الله عز وجل به، فهو سبحانه أنزل الميزان وأنزل العدل بين الخلق ليحكم الناس بالعدل، هذا دين الله سبحانه الذي يحكم خلقه به، وهو أعلم بخلقه سبحانه وتعالى، فالمؤمنون يفعلون ما أمر الله ويجتنبون ما نهى الله عز وجل عنه، يجتنبون أن يقعوا في كبائر الإثم وفي الفواحش، فيمتنعون من ذلك حتى يغفر الله عز وجل لهم.

إذاً: الله عز وجل هو الذي يحل لنا ما شاء وهو الذي يحرم علينا سبحانه ما شاء، ولو ترك الإنسان لرأيه وهواه لفعل أفحش الفواحش بدعوى أن القانون يجيز ذلك، لذلك حين تسأل إنساناً: هل الخمر حرام؟ يقول لك: ولماذا تباع وهناك تراخيص في بيعها؟ فهذا قال هذا القول لأن القانون يبيحها، كذلك الزنا، يمسك الإنسان الزاني ويدخل السجن ثلاثة أشهر ويخرج، أو إذا عفا أولياء البنت عن هذا الزاني أفرج عنه دون حد.

فالدين لم يترك للخلق، انظر حين حرم الله عز وجل الخمر ما الذي حدث؟ أمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بأن يريقوا ما عندهم من الخمور، فأراقوا الخمور على الأرض، فإذا بها تسيح في سكك المدينة كالسيل، هذه الخمور كانت أموال هؤلاء، وهل يوجد إنسان يضيع ماله؟ لم يقولوا: اصبروا علينا قليلاً حتى نبيع الخمر الذي عندنا ثم حرموه علينا، أبداً لم يقولوا هذا، ولكن أتى رجل للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! إن عندي أموال يتامى وهي خمر أفلا أخللها؟ - أي: أحول خمر الأيتام إلى خل - قال: لا، وأمره أن يريقها) فحرمت الخمر ولم يترك لأحد من الخلق أن يختار على الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>