للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة)]

{وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف:٦٠] أي: لو شاء الله عز وجل لجعل الرسول ملكاً من ملائكته، والرسول الذي بين السماء والأرض هو ملك من الملائكة، ولكن لا يراه إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، أما غيره من الخلق فلا يطيقون ذلك، وقد عود النبي صلوات الله وسلامه عليه حتى طاق ذلك فقد قال له ربه {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:٥] فكان القرآن ينزل من السماء على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي تغشاه ما شاء الله أن يتغشاه حتى إنه يفيض عرقاً في الليلة الشديدة البرد من شدة ما ينزل عليه من السماء، ثم يفيق صلوات الله وسلامه عليه وقد حفظ ما قاله له جبريل فيبلغ عليه الصلاة والسلام ما جاءه من ربه.

ولقد ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى غار حراء يتعبد لله سبحانه وتعالى، ليالي كثيرة العدد يتحنث فيها ولمثلها يتزود صلوات الله وسلامه عليه حتى فجأه جبريل فرآه بين السماء والأرض، ففزع النبي صلوات الله وسلامه عليه وهرب من هذا المكان، ثم مرة أخرى يراه يعوده ربه سبحانه حتى يطيق ذلك، ثم يأتيه جبريل وهو في الغار فيأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ويحتضنه ويضمه ضماً شديداً حتى أصاب النبي صلوات الله وسلامه عليه الجهد والمشقة، ثم يترك النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (اقرأ، فيقول: ما أنا بقارئ) عليه الصلاة والسلام، فيأخذه الثانية والثالثة ثم نبئ صلى الله عليه وسلم بسورة اقرأ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:١ - ٥].

وحين أوحي إليه بذلك كان في رعب شديد صلوات الله وسلامه عليه، فأخذ ما قيل له ورجع إلى بيته يقول: (زملوني زملوني دثروني دثروني) أما لو نزل هذا الملك وقال أنا رسول من عند رب العالمين هل يستطيع أحد أن يكذبه كما كذبوا النبي صلوات الله وسلامه عليه؟ لن يستطيعوا ولن يطيقوا بل سيؤمنون قهراً وقسراً، ولذلك لم ينزل الله سبحانه ملكاً من الملائكة يمشي بين الناس كهيئته؛ لأن الناس لا تطيق ذلك بل لن يستطيعوا أن ينظروا إليه.

فالنبي ما طاق ذلك حتى طوقه الله سبحانه، فإما أن ينزل الملك على ذلك فيؤمن الناس قهراً وإما أن يكون الملك على هيئة بشرية فإذا كذبوه كذبوا بشراً فاختار الله الطريقة العظيمة الحكيمة وهي أن يكون الرسول إلى الخلق بشراً من البشر فيكون من جنسهم ومثلهم مشفق عليهم، ومهتم لأمرهم فيدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى ليطيعوه ويوحدوه.

وعدم جعل الرسل ملائكة ليس بسبب العجز ولكن رحمة بكم، ومعنى: يخلفون أي: يخلف بعضهم بعضاً في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>