للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ذكر ما جاء من دعوة إبراهيم لقومه إلى ترك عبادة الكواكب]

كما فعل إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام لما كان يدعو عباد الكواكب إلى الله سبحانه وتعالى وقال: هذا ربي، ومستحيل أن إبراهيم يشرك بالله ويقول: الكوكب ربي، ولكن مقام المناظرة مع هؤلاء يجعله يقول لهم: هذا ربي بزعمكم أنتم؛ لأنكم تعبدون الكواكب، قال تعالى: {هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام:٧٦] أي: لا يصلح يكون رباً.

إذاً: هنا المقام كما يقولون مقام مناظرة وليس مقام نظر، فمقام النظر: هو أن الإنسان يتحير ويفكر هل هذا هو الرب أم لا؟ فهو متشكك، هذا مقام النظر، ومستحيل أن يكون إبراهيم في هذا المجال أو هذا المقام، إنما المقام مقام مناظرة، وإبراهيم مستيقن ما يقول، ولكن يجادل الخصم ويقول له: فرضنا جدلاً الذي تقوله أنت صحيح، فإبراهيم يقول: هذا ربي بزعمهم {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام:٧٦ - ٧٧].

فلما غاب القمر وظهرت لهم الشمس {قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ} [الأنعام:٧٨] هذا أكبر شيء تزعمون أنه رب {فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام:٧٨] أي: الذي تقولونه هذا كله هجس، وكله عبادة فارغة وليست عبادة حقيقية، وأنا بريء من هذا الشرك الذي أنتم تشركونه، فظهرت حقيقة مناظرة إبراهيم لهؤلاء، أنه ما كان يناظر ليصل هو إلى شيء ولكن يريد أن يوصلهم إلى ما هو فيه من عبادة الله عز وجل.

فهذه المناظرة كما ذكرنا، فإذا كان إنسان مؤمن يدعو إلى الله ويدعو إنساناً كافراً لا يتوقع أنه مجرد ما يقول له: قل: لا إله إلا الله سيقول: له لا إله إلا الله ويدخل في الدين؛ لأن الكفار كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥] فقيل: للمؤمنين اصبروا على هؤلاء واتركوهم، واسمعوا منهم وادعوهم إلى الله عز وجل، بل وقال للمؤمنين: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:١٠٨] إذاً: هنا المؤمن يتأدب في دعوته، فإذا جادل ودعا إلى الله لا يصل الأمر إلى أن يشتم آلهة هؤلاء، فقد يشتمونه ويشتمون دينه، إذاً: هنا تأدب أنت حتى يعاملك هو أيضاً بهذه الصورة.

فإذا كنت ترجو من إنسان خيراً لتدعوه إلى الله سبحانه وتعالى فاصبر في وقت الدعوة إليه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>