للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً)

كان الكفار يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: اذكر اللات والعزى بخير ونحن سوف نتبعك فيما أنت عليه، فربنا يحذر النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [الجاثية:١٨ - ١٩]، فهم لن يغنوا عن أنفسهم فضلاً عن أن يغنوا عن غيرهم، {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية:١٩].

فالكفار -بل الخلق جميعهم- لا يغني أحد عن نفسه ولا عن غيره أمام رب العالمين، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:٤٦]، فلا يقدر أحد أن يغير شيئاً مما كتب عليه عند الله سبحانه يوم يحاسب، والمنافقون يوم القيامة يحلفون لله عز وجل، ويكذبون على الله، {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [المجادلة:١٨]، فيفضحهم الله عز وجل، ويجعل أفواههم مكتومة، وتنطق عليهم جوارحهم فتكذبهم بما كانوا يقولون ويفترون.

فقوله سبحانه: ((إِنَّهُمْ)) أي: إن الكفار، وإن الناس جميعهم: ((لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ))، هذا في الدنيا، أي: في الدنيا الظالمون بعضهم أولياء بعض، والظالمون يدخل تحتها كل من ظلم نفسه وظلم غيره، يدخل تحتها الكفار المشركون الذين ظلموا أنفسهم بعبادة غير الله، يدخل تحتها اليهود والنصارى الذين قالوا على الله سبحانه قولاً عظيماً، كما قال عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠]، يدخل تحتها المنافقون الذين ظلموا أنفسهم، وظلموا النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكادوا للإسلام والمسلمين، وأرادوا إدخال الخلل والفساد في قلوب المسلمين.

وهنا الله عز وجل نكر (شيئاً) فقال: ((إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا))، والنكرة في مقام النفي تدل على أقل القليل، أي: إنهم لن يغنوا عنك من الله ولو شيئاً يسيراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>