للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الاهتمام بتربية الأبناء]

قال تعالى: ((وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ)) أي: اذكر هذا الإنسان الكافر الذي قال لوالديه: ((أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ)) أي: أنهما مؤمنان يلجئان إلى الله، ويستجيران به سبحانه والاثنان يدعوان ابنهما إلى طاعة الله عز وجل، فعلى الأب المسلم والأم المسلمة ألا يفرطا في حق أولادهما، وأن يدعوانهم إلى الله سبحانه، وأن يربيا أولادهما على حب الله، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى طاعة الله سبحانه من الصغر حتى الكبر، وأن يأمراهم بالمعروف وينهياهم عن المنكر، فهما يستغيثان الله؛ لأنه يرفض أن يستجيب ويدخل في دين الله.

فيقول الوالدان لهذا الولد ولأمثاله: ((وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)) أي: لك الويل، ولا أحد يدعو على ابنه بالويل، ولكن هذا كأنه مقيد بالكفر، أي: كأنك بكفرك تستحق الويل فتدارك نفسك، وتب إلى الله، وآمن بالله سبحانه، فإذا بهذا الولد يجيب الجواب القبيح ويقول: ((مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)) أي: هذه خرافات السابقين.

والأساطير: جمع أسطورة وهي الحكاية، يعني: أن هذا الكلام هو من الأساطير والخرافات التي تحكي عن الأولين، ((فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ))، فأمثال هذا من الكفرة قد حقت عليهم كلمة العذاب عند الله سبحانه، كما قال تعالى: {حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} [القصص:٦٣] أي: قول الله سبحانه: {لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:٨٥].

فالله سبحانه يملأ جهنم من الشيطان وممن تبعه من الإنس والجن، فحق عليهم قول الله سبحانه: {فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ} [فصلت:٢٥]، إذاً: فليس هؤلاء فقط هم الذين يدخلون النار، وإنما يدخل معهم أمم خالية سابقة قد كفروا أيضاً بالله سبحانه، وأعرضوا عن دين الله، فاستحقوا الخسران في الدنيا والآخرة بإعراضهم عن الله.

((إنهم)) يعني: لأنهم ((كانوا خاسرين) فإن هنا: تعليلية سببية، {إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [فصلت:٢٥] أي: خسروا أنفسهم وأهليهم ودينهم، فاستحقوا النار.

وكأنها أيضاً بمعنى ما يستحقونه في المستقبل، أي: أن ذلك بسبب أنهم كانوا خاسرين في الآخرة.

قال: ((وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ) هنا يذكر الله المؤمنين والكافرين فيقول: ((وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ)) أي: لكل من الفريقين درجات مما عملوا، فالمؤمنون لهم الدرجات العالية عند الله سبحانه، والكفرة المجرمون لهم الدركات السفلى في نار جهنم، كما قال الله سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء:١٤٥]، إذاً: فالمنافقون والكفار في أسفل النار، ولهم دركات، وتطلق الدركة: على المكان من السفل، وتطلق الدرجة على المكان من العلو، وقد قال هنا: ((وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ))، وليس للكفار درجات، ولكن هذا من باب التغليب؛ لأنه لا يليق أن يقال عن المؤمنين: إن لهم دركات، فقال: ((وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ))، تغليباً، كما تقول: الشمسان، وتقصد الشمس والقمر، وتقول: العمران، وتقصد أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فتسمي بواحد وتقصد الاثنين، فهنا كذلك قال: ((وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ))، فدرجات أهل النعيم عالية، ودرجات هؤلاء دركات هاوية.

قال تعالى: ((وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)) أي: بسبب أعمالهم، ((وَلِيُوَفِّيَهُمْ)) جاءت بالإفراد وجاءت بالجمع: (ولنوفيهمُ أعمالهم)، فقرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وهشام بخلفه وكذلك عاصم: ((وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ) وقرأها باقي القراء: (ولنوفيهم أعمالهم)، والذي يوفي الأعمال هو الله سبحانه، فيأمر بهؤلاء إلى الجنة، وبهؤلاء إلى النار.

قال تعالى: ((وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ))، فيوفيهم ويعطيهم الجزاء وافياً، ولا يبخس أحداً شيئاً من حسناته، ولا يظلم أحداً بعقوبة لم يفعلها، ولكن يجزي كلاً الجزاء الوافي عنده سبحانه، فقال: ((وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) وهذه كقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:٧ - ٨].

نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>